بقلم : أمينة خيري
انسى التصريحات بأن مصر تعود إلى أحضان إفريقيا، أو التأكيدات على جذورنا الضاربة فى القارة السمراء، أو إفريقيتنا التى تثبتها الجغرافيا والتاريخ والاستراتيجيا.
وباعتبارى ابن العصور مضت من الكليشيهات المستهلكة عن قيادة مصر لإفريقيا، والعلاقات المتميزة بين مصر والقارة، والبعثات التى تغدق بها البلاد على القارة السمراء للوعظ الدينى أو الدعم التعليمى أو فى قطاعات البناء والتشييد، أقول إن «البرنامج الرئاسى لتأهيل الشباب الإفريقى للقيادة» خير من مائة تصريح وكليشيه وأبقى من مليون بعثة دينية للوعظ والإرشاد.
الفكرة التى انطلقت من إحدى توصيات منتدى شباب العالم فى عام 2018، وتزامنت ورئاسة مصر للاتحاد الإفريقى لعام 2019، تهدف إلى تجميع نماذج من الشباب والشابات من دول القارة الإفريقية بمختلف الانتماءات والمعتقدات فى دورات تدريبية تأهيلية تعريفية تنموية. كل دورة من الدورات العشر المقررة تحوى مائة شاب وشابة يمضون خمسة أسابيع فى مصر بين تدريب وتأهيل وزيارات ولقاءات.
الفكرة من ألفها إلى يائها إنجاز مبهر وبالغ الذكاء ويكشف تغيرًا فعليًا محمودًا فى عقلية الإدارة فى مصر. التقديم يتم عبر موقع البرنامج على شبكة الإنترنت. المتقدمون والمتقدمات تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عامًا والأفضلية لأصحاب وصاحبات الإنجازات العلمية والرياضية والثقافية والاجتماعية. وتجرى المقابلات الشخصية عبر «سكايب»، وهو ما يعنى مواكبة فعلية لطبيعة العصر الرقمى واستفادة جيدة من أدواته ومنصاته.
لكن المعنى الأكبر يعنى أن هناك من أيقن أن القوى الناعمة فاعلة ونافذة، وأن هناك من يفكر تفكيرًا عمليًا مجديًا نفض عن نفسه غبار البيروقراطية العقيمة وتخلص من تجمد الفكر الذى ظل متمكنًا لعقود من أدمغة الكثيرين. فبالإضافة إلى شعور مسموم بأن مصر وإفريقيا كيانان لا يمتان لبعضهما البعض، وأن مصر شىء و«الأفارقة» شىء آخر، ظلت مصر تنأى بنفسها معنويًا وماديًا عن انتمائها الإفريقى لعقود أضرت بنا وبقضايانا الحيوية.
حيوية الدورات التدريبية التى استقبلت الدفعة الثانية من الشباب الإفريقى واضحة وضوح الشمس. مائة شاب وشابة من 40 دولة إفريقية ينضحون بحيوية وخبرات وخلفيات متباينة وفرصة ذهبية ليتعرفوا إلى مصر والمصريين عمليًا وبأنفسهم دون كليشيهات. المجموعات التى أشرف بتدريبها على موقف الإعلام وموقعه بين التقليدى والجديد هى بمثابة سفراء وسفيرات لبلادهم، يعودون إليها بعد أسابيع التدريب وهم يحملون صورة واضحة عن مصر. تسمعهم يتحدثون فيتولد لديك يقين بأن مصر خسرت كثيرًا ببقائها بعيدًا عنهم، لكن فى الوقت نفسه تسعد وتبتهج لأن فى كل مرة تنتهى دورة من الدورات العشر يعود شبابها إلى دولهم وقد أصبح لدينا فيها ناقل جيد للمعلومات والمكانة والقدرات. والحقيقة أن الفائدة «رايح جاى». فاختلاطهم مع المصريين، والزيارات التى يقومون بها لأماكن ومدن عدة فيها كذلك تثقيف لنا وتدريب لأهلنا وناسنا على حقيقة أن مصر دولة إفريقية