بقلم : أمينة خيري
نكهة العيد مختلفة؟ نعم! لكننا سنفرح ونهيص ونعيد. أجواء الاحتفال مغايرة لتلك التى اعتدناها كل عام؟ نعم! لكننا سنخلق أجواء بديلة تحقق لنا قدراً معقولاً يسعدنا ويسعد من نحب. مأمأة الخرفان وخوار الأبقار وزملائهم من الأضاحى أقل من أعياد مضت؟ نعم، لكن البدائل من صكوك وطرق أنظف وأكثر تحضراً من إسالة الدماء فى الشوارع متاحة وأكثر ضماناً لتوزيع أكثر عدالة على المحتاجين بجد، وليس محترفى ومحترفات تجميع لحوم العيد. دور السينما ستستمر فى تكبد خسائر فى أحد أبرز مواسمها لتخوف كثيرين من التواجد فى أماكن مغلقة؟ نعم، ولكن ربما يكون ذلك فرصة لالتقاط الأنفاس من حفلات التحرش الجماعى التى أصبحت سمة من سمات الأعياد.
مائدة العيد تشهد تقلصاً فى البروتين وترشيداً فى الكلفة بسبب الضغوط الاقتصادية المتفاقمة؟ نعم، ولكن ربما تكون فرصة أيضاً لإعادة النظر فى الكم المذهل من المال الذى ننفقه على الأكل، والكم المذهل من الفاقد الناتج، ولعلنا نرفع شعار «العيد فرخة» وليس بالضرورة فخذة. العيد فى ظل كورونا مختلف، لكن الاختلاف ليس بالضرورة مدعاة للبؤس والحزن، بل يمكن أن يكون فرصة للتعديل والتغيير بناء على المعطيات المستجدة، وأيضاً لمراجعة عادات وتصرفات كان ينبغى أن تتغير وتتعدل دون شرط الوباء. المغالاة فى كميات الأطعمة وإسالة دماء الأضاحى فى الشوارع (وهو ما لا يحدث فى أعتى الدول الإسلامية)، واعتبار التحرش بالإناث وسيلة احتفالية، والتكدسات فى أماكن الاحتفال..
وغيرها، كانت تحتاج منا نظرة، فرب كورونا نافعة للمراجعة والتعديل. صحيح أن الأخبار المعتادة فى العيد مازالت تنهال علينا، حيث «ضبط أطنان من اللحوم الفاسدة كانت معدة للبيع» أو «ضبط كميات من المواد المخدرة قبل بيعها بمناسبة العيد»، لكنها لن تفسد فرحتنا، وكفانا ما نحن فيه من قلق ارتداء الكمامات وتوجس السعال والعطس وتطهير الأيدى بصفة مستمرة. ودائماً تكون المناسبات والإجازات فرصة للخروج على الروتين وإعادة شحن الأرواح المنهكة.
وقد تكون أيام العيد فرصة تهدأ فيها أعصابنا المشدودة جراء برامج الهبد والرزع الليلية والتى يتأرجح أغلبها بين مذيع يزعق لنا ويهددنا وحتى حين يخبرنا بما جرى خلال اليوم يظل يصيح ويصرخ، أو آخر يسهب فى الخبر الواحد حتى يقتلنا الملل ويضربنا الزهق، ونوع ثالث تخصصه طلاء الواقع باللون البمبى المسخسخ وكأن المتلقى يعيش فى كوكب آخر. وبينما نحن نتضرع إلى الله ألا يفسد الخونة والمرتزقة والمجرمون فرحتنا بالعيد، نتضرع له كذلك ليمد لنا يد العون وينير بصيرتنا لعلنا نعى أننا نتجرع سموماً مركزة منذ سنوات لا تقل عن الأربعين اسمها الاتجار بالدين وخلطه واحتكار التفسير والهيمنة عليه من قبل البعض وكأنه ملكية خاصة يحدد أصحابها المنتفعين بها فى مقابل أن يدينوا لهم وليس للدين بالولاء.
عيد سعيد، ولعها فرصة لالتقاط الأنفاس.