بقلم - أمينة خيري
سويسرا من أجمل بلاد العالم دون أدنى شك. وهى جميلة قلباً وقالباً، بمعنى آخر شكلاً وموضوعاً. تجلس فى مقهى فى زيوريخ الجميلة، فترى الجميع يذهب ويجىء، يعملون ويأكلون ويضحكون ويعودون إلى بيوتهم فى آخر اليوم، والهدوء يلف المكان. «لا فيه بيب بيب ولا أزعرينا ولا زيطة ولا زمبليطة».
تتوجه إلى مدينة صغيرة اسمها «غريندلوالد» وتقيم فى فندق فى حضن الجبل حيث المنظر من نافذة الفندق أقرب ما يكون إلى لوحة خضعت لعملية «فوتوشوب» كبيرة، فتجد أن أصحاب الفندق هم أنفسهم العاملون فيه وأبناؤهم يعزفون للزوار ثم يهرعون لمساعدة الأهل فى الاحتفاء بالنزلاء. يشعرونك أنك أهم وأحسن نزيل فى الدنيا. حفاوة وكرم وذوق وترحيب، لا لسواد عينيك أو خضارهما، ولكن لأنك بالنسبة لهم أكل عيشهم. فلا تجد «بوز إخص مكشَّر» فى وجهك فى مطعم الإفطار، أو وجهاً يقطع الخميرة من البيت فى الاستقبال. والأدهى من ذلك أن أحداً لا يبتذل كرامته ويهين إنسانيته وينظر إليك بعين ملئها انكسار رهيب وأخرى مصوبة إلى داخل جيبك وهو يدغدغ مشاعرك فى الفندق الفاخر بقوله «كل سنة وانت طيب».
تصعد إلى «أعلى نقطة فى أوروبا»، والمسماة «يونغفراويوخ» فتجد القطار العتيق جنباً إلى جنب مع الأحدث فى عالم السكك الحديدية. تسير الرحلات محسوبة بالدقيقة والثانية. الجميع يبتسم لك. تسأل عن الطريق أو الحمام أو مكان لتناول الطعام، فيهرع الجميع لمساعدتك دون محاولة للنصب عليك أو الاحتيال.
ورغم هذه الجنة، شكلاً وموضوعاً، يسألونك بكل شغف عن مصر. منهم من يتغنى بجمالها؛ إذ اعتاد زيارتها كل شتاء، ومنهم من يسرد لك حكايات حكاها له والده عن مصر الجميلة والمصريين الجدعان، وهناك من يتحدث بكل صدق عن رغبة عارمة فى زيارة المحروسة ويستعرض معلوماته عنها من تاريخ وجغرافيا وحضارة وموقع.
ثم يأتى السؤال الذى بت أكرهه وأتوجس منه: «هل الوضع آمن لو فكرنا فى الزيارة؟». أبدأ فى التهتهة والتردد.. فهل أقول لهم أن كل شىء تمام، والوضع عال العال، والأمر رائع؟! ويزداد الطين بلة حين أجد نفسى بين شقى رحا. فمن جهة، أجد لسانى منطلقاً بكل صدق وشفافية وأنا أؤكد أن «الوضع» آمن إلى حد كبير جداً، حيث تطويق فعلى للإرهاب، وخطوات يلمسها الجميع لاجتثاثه.
وللصدفة البحتة تخرج نتيجة استطلاع «جالوب» السنوى للقانون والنظام، الذى يرتكز على سؤال العينة المختارة حول العالم إن كانت تشعر بالأمان أثناء المشى ليلاً، وإن كانوا ضحية جرائم من قبل، لتأتى مصر فى المركز الـ16 من بين 135 دولة، متقدمة على كل من بريطانيا وأمريكا، ومتساوية مع الدنمارك والصين وسلوفينيا.
ولكن، وآه من «ولكن!»، بماذا ترد على شابة جميلة وهى تسألك إن كنت تنصحها وعدداً من صديقاتها بزيارة القاهرة لبضعة أيام؟! هل تمضى قدماً رافعاً راية الوطنية، وتؤكد لها أنه قرار حكيم؟! أم تُحكم ضميرك، وتطلب منها أحد شيئين: إما تحويل وجهة الزيارة إلى شرم الشيخ أو الغردقة حيث عدد المتحرشين أقل نسبياً، ونسبة المتسولين أخف بعض الشىء، والنظرات المخترقة لخصوصية الآخرين أقل حدة، أو أن تطلب منها التأجيل دون إبداء أسباب وأنت تفكر بينك وبين نفسك أنه ربما نستيقظ من غفلتنا السلوكية وننتبه إلى مصيبتنا الأخلاقية، اللتين تجعلان من القاهرة مدينة متوحشة يعمل سكانها على «تطفيش» السياح إما بالنصب، أو بالتحرش، أو بالعيون المخترقة للملابس والخصوصية مرة من باب التدين الفطرى ومرات من بوابات تدنى الأخلاق؟!
عودة السياحة تحتاج إلى محاربة الإرهاب، وقد نجحنا إلى حد كبير ولله الحمد. كما تحتاج إلى محاربة تدنى الذوق العام، وقد فشلنا إلى حد كبير ولله الأمر من قبل ومن بعد.
نقلا عن الوطن
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع