توقيت القاهرة المحلي 06:46:23 آخر تحديث
  مصر اليوم -

قوة مصر الناعمة النائمة

  مصر اليوم -

قوة مصر الناعمة النائمة

بقلم - أمينة خيري

عن «القوة الناعمة» لمصر دعتنى كلية الإعلام فى الجامعة العربية المفتوحة ويرأس فرعها فى مصر الدكتور عبدالحى عبيد لأتحدث وزميلى الكاتب إميل أمين مع الطلاب والطالبات، وقد اكتشفت أنه مرت سنوات قليلة، لكنها تبدو طويلة منذ تداولنا فى مصر هذا المصطلح، ويبدو أنه ظهر على السطح فجأة مع غيره من المصطلحات التى دغدغت مشاعرنا وضعضعت أحلامنا وهتكت عرض توقعاتنا فى أعقاب ثورة يناير 2011.

كل ما أتذكره عن هذا المصطلح لمحة سريعة ترفض ذاكرتى استحضار كل ملامحها رأفة بأعصابى وحفاظًا على مستوى السكر فى دمى. وفد من المصريين الذين لا أشك أو أشكك فى وطنيتهم، لكنى أشك وأشكك فيما ترتب على ما فعلوا. فتحت بند «قوة مصر الناعمة» و«وفودها الشعبية المحبة للسلام والوئام» جال أولئك المواطنون، وبينهم عدد غير قليل من الإعلاميين والصحفيين والسياسيين والشخصيات العامة عددًا من الدول، لا سيما تلك التى شابت علاقاتها بمصر احتقانات وخلافات مثل إثيوبيا وإيران. والحقيقة أن تفاصيل ما جرى فى هذه الزيارات المندرجة تحت تصنيف «القوة الناعمة» من لقاءات شعبية ورسمية وغيرها لم يُعرف حتى اللحظة، ويُفضل أن يبقى كذلك «لأننا مش ناقصين» و«اللى فينا مكفينا».

وكانت هذه الدعوة الكريمة كافية لتعيد المصطلح إلى السطح بعد سنوات من الاندثار الثورى. ورغم أن المصطلح لم يتداوله المصريون تداولاً لفظيًا إلا فى أعقاب ثورة يناير، إلا أنهم ظلوا عقودًا طويلة يفعلونه دون أن يتوقفوا عند التسمية. أفلام، كتب، مسرح، أدب، نحت، رقص، غناء وغيرها الكثير من مكونات المد المصرى الثقافى. ولاحظت أن كل ما سبق وقع ضحية مأسوفًا عليها على مدار العقود الأربعة الماضية. فجميعها تم تحريمه من قبل المد الدينى- أو بالأحرى التديينى- الذى اجتاح المحروسة. كل ما سبق يعتبره مشايخ التفسير المغلوط حراما أو غير مستحب.

وطالما لا نحب الشىء، فكيف نقدمه بشكل مبهر ومؤثر؟ صحيح أن البعض نجا من هجمة التحريم الشرسة، إلا أن المنتج الثقافى تأثر سلبًا، ومعه تأثرت قوة مصر الناعمة وقدرتها على التأثير فيمن حولها سلبًا أيضًا. فقد ظهر منافسون كثيرون على الساحة. وتطورت قدرات الآخرين سريعًا، فيما تدهورت قدراتنا سريعًا أيضًا. ولم يتنبه أولو الأمر مما يحدث من سلب مصر قوتها الناعمة، وربما تنبهوا لكن لم يكترثوا، فتركوا التعليم يتهاوى، والثقافة والفن والآداب تنحدر، والذوق العام يتدهور، وجماعات الغل الدينى السياسى تتوغل، ومجموعات القبح والمسخ والتشويه تتمكن.

وقد تمكنت منا محتويات البالوعات الفكرية والسلوكية والتعليمية التى ظلت كامنة إلى أن أزاحت عنها ثورة يناير الغطاء فانفجرت فى وجوه الجميع. وبينما نحن منهمكون منشغلون محاولون إنقاذ ما يمكن إنقاذه من تفاصيل حياتنا اليومية بعد ثمانى سنوات من الهبد والرزع السياسى والاقتصادى والاجتماعى والدينى والنفسى، إذا بحقيقة اضمحلال قوتنا الناعمة تباغتنا.

وسبب المباغتة فى ظنى هو كم المقارنات الذى نعقده بيننا وبين من هرعوا لصناعة قوى ناعمة لأنفسهم علها تفيدهم فى يوم أسود. تأسيس قنوات فضائية تتحدث بلغات الغرب وبتركيبته الفكرية والثقافية، فرض سطوة صحف ومجلات تعد هى الأعتى والأكثر مصداقية فى أقوى دول العالم وأكثرها تأثيرًا فى السياسة الدولية، أسهم فى أكبر مراكز البحث والدراسات والعصف الذهنى ومن ثم قدرة فعلية وحقيقية فى التأثير على قلوب وعقول الملايين حول العالم. وإذا أضفنا إلى ذلك ضلوع عنكبوتى معتبر، سواء بطرق مباشرة للسيطرة على توجهات أثير الإنترنت أو بسبل غير مباشرة عبر تسخير آخرين للقيام بذلك، تكون القوى الناعمة قد تحولت فى جانب منها إلى حادة وعنيفة عنفًا فكريًا وذهنيًا.

أما نحن، فقوتنا الناعمة تعانى داخليًا قبل أن تكون معاناتها خارجية. وقبل دقائق سمعت أغنية طفلة صغيرة متداولة على الإنترنت تقول كلماتها «حادى بادى كرنب زبادى، عدد القنوات بقى مش عادى. توك شو شغال ليل ونهار، وخناقة ما بين ضيف ومذيع، هرى كتير نفس المواضيع، وياريت حتى وصلنا لحاجة. ناس تانى بتغنى فى ظلموه، تركى وهندى وحكايات ياهوو وحلقات مابتخلصش ياسادة».

قوتنا الإعلامية الناعمة تطيح بنا وبأدمغتنا وبأذهاننا أرضًا. هوجة التوك شو المستعر لم تعد تنطلى على أحد. وهبات احتكار الوطنية، وامتلاك صكوك المفهومية، والقدرة على توجيه رأى عام الأغلبية التى يدعيها كثيرون ممن يطلون علينا عبر الشاشات أبعد ما تكون عن القوى الناعمة، بل هى قوى مدمرة لنفسها ومن حولها. ولو أردنا أن تسترد قوتنا الناعمة، فعلينا أن نصحح إعلامنا الموجه لأنفسنا أولاً قبل أن نوجهه لآخرين، ونطهر ما علق بثقافتنا وفنوننا من جرائم التحريم، ونحرر عقول المبدعين من قيود التوجيه والترهيب والتمويع.

الأرض ممهدة لصناعة قوى مصرية ناعمة، لكن مكبلات التديين، وعراقيل احتكار الوطنية والمفهومية، وعزلة أهل الفن والثقافة والأدب، وإطلاق يد عديمى الموهبة والابتكار بديلاً عن الموهوبين باقتدار تكتم أنفاس قوة مصر الناعمة وتبقى عليها نائمة.

نقلا عن المصيري اليوم القاهرية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قوة مصر الناعمة النائمة قوة مصر الناعمة النائمة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon