بقلم : أمينة خيري
بين بول الإبل وجائزة نوبل مسافة ما، هى المسافة بين الخرافة والعلم، بين استلاب العقول واستباحة القلوب من جهة وإطلاق العنان للتفكير والعلم والبحث والنقد بناء على قواعد علمية وأصول منطقية. وهى المسافة التى يقطعها البشر فى مسيراتهم الحياتية من عصور ظلامية وقيود إجرامية وربط البشر بحجر يزن أطنانا لضمان بقائهم فى القاع إلى عصور العلم والتنوير والبحث والإبداع والخروج بعلاجات شافية لأمراض ابتليت بها الإنسانية، بعضها جسدية والكثير منها فكرية.
فكرة بول الإبل تفرض نفسها فى اللحظة التى يعلن فيها معهد «كارولينسكا» السويدى فى ستوكهولم فوز الأمريكيين ويليام كايلن وجريج سيمنزا والبريطانى بيتر رادلكيف بجائزة نوبل للطب. الثلاثى نجح فى اكتشاف كيفية تحسس الخلايا وتكيفها مع كمية الأكسجين المتوفرة. وهذا قد يسمح بمكافحة أمراض مثل السرطان وفقر الدم وعدد من الأمراض الأخرى التى تؤرق البشرية. أرق البشرية استمر على الرغم من بول الإبل الذى روج له دجالون وأفاقون باعتباره علاجاً لأورام الكبد والجروح وآلام الأسنان والدمامل والتقرحات والاضطرابات الهضمية والاستسقاء، ناهيك عن قدرته القاتلة للميكروبات المسببة للأمراض، ومعجزته فى إعادة نمو الشعر المتساقط وإطالته وقائمة طويلة من الأمراض التى تعصف بملايين البشر.
البشر الموعود بالاستفادة من آلاف الأبحاث العلمية القائمة على البحث والتطور والإبداع تقف على طرف نقيض من التمسك بتلابيب الخرافة والدجل وتشويه الدين بجعله يبدو كأنه داعم وداع للجهل والشعوذة. وباستثناء كتابات فردية لتجار بول الإبل وعدد من «الدعاة» الذين كانوا يطلون علينا عبر قنوات عدة ليفسروا لنا أمور الدين، فإن أحدًا لم يثبت أن بول الإبل عالج أمراضا أو داوى آلاما.
فهذا تاجر يكتب أنه «بإخضاع 25 شخصًا يعانون تليف الكبد لشرب كوب من بول الإبل البكر يوميًا عاد الكبد لشكله ووظائفه الطبيعية»، وهذا «داعية» يسمى نفسه «فضيلة الدكتور» مازال يطل عبر قنوات خارج مصر، بعد ما كان يطل علينا عبر شاشاتنا سنوات طويلة يروج عبر صفحته لكبسولات بول الإبل لعلاج السرطان مع أفضلية أن يكون البول لناقة لم تنجب بعد!!
المثير أن منظمة الصحة العالمية حذرت تحذيرًا شديدًا فى عام 2015 من أن شرب بول الإبل يؤدى بدرجة عالية للإصابة بأمراض خطيرة، منها الإصابة بفيروس متلازمة الشرق الأوسط التنفسية المعروفة باسم «كورونا».
يقف المشعوذون على طرف النقيض من آخرين ينحتون فى صخر العلم وينهلون من منابع البحث العلمى والتفكير النقدى. والمصيبة أنهم لا يألون جهدًا أو يفوتون فرصة إلا وكفروا الرابضين على الضفة الأخرى، حيث العلم والمنطق. وحتى تكتمل الصورة، فإن أصحاب بيزنس الشعوذة والمسؤولين عن تشويه الدين عبر لصقه بالخرافة أول من يهرع للعلاج لدى أصحاب العلم والبحث، ولا يلجأون لبول الإبل. هذه هى المسافة بين بول الإبل وجائزة نوبل.