بقلم - أمينة خيري
ملامح الاحتقان لا تخطئها عين، ومعالم الاحتكاك لا تخفى على أحد، وأسباب الصراع وعوامل التفاقم نتاج عقود طويلة من الفساد والتهاون والتكاسل وأسلوب إحكام إغلاق الغطاء حتى لا تتفجر المشكلات خارج البالوعة.
لكن غطاء البالوعة تمت إزاحته قبل سبع سنوات، ولم يعد فى الإمكان تجاهل ما يدور فى داخلها، لأنه ببساطة انفجر فى وجوه الجميع. الملايين من المواطنين التى خرجت إلى الحياة فى غفلة من نظام سابق ترك التعليم يتدهور والصحة، وفتح أبواب الثقافات المعادية للتنوير والكارهة للجمال حتى أطبقت على رقاب المصريين باتت لغمًا آخذا فى التفجر فى بقية المصريين.
المصريون من أبناء الطبقة المتوسطة وما فوقها بقليل الذين جمعوا تحويشة العمر وهجروا بيوتهم فى أحياء القاهرة التى تحول تصنيفها من أحياء هادئة جميلة إلى عشوائية قبيحة، واشتروا بيوتًا فى المدن الجديدة مثل التجمع والرحاب ومدينتى والشروق، يجدون أنفسهم هذه الآونة ضحايا لطبقات قاعدة الهرم الاجتماعى، تارة بضغوط نفسية، وأخرى بحصارات اجتماعية، وثالثة بتناحرات جدلية.
جدل محتدم دار على إحدى الصفحات العنكبوتية الخاصة بسكان مدينة الشروق سببه «بوست» كتبه أحد السكان الذى أعلن تضرره من هجمة مجتمعية ضارية أبطالها جموع العمال الذين يسـتأجرون شققًا سكنية فى قلب المدينة. الشكوى التى تتردد دائمًا من قبل ملاك الوحدات السكنية تكمن فى فرض كثيرين من أولئك العمال قواعدهم الأخلاقية وقيمهم السلوكية وسبلهم المعيشية التى تتراوح بين ظهور علنى بالملابس الداخلية، تحرشات بالنساء والفتيات، شتائم وسباب بالدين والأب والأم، إلقاء القمامة فى أى مكان، وقائمة طويلة من السلوكيات التى ضربت قطاعات فى المجتمع لأسباب كثيرة يطول شرحها ويعجز مقال عن حلها.
الحل الذى اقترحه صاحب الـ«بوست» تمثل فى رفع قيمة الإيجارات حتى يصعب على العمال تأجير الشقق، وهو ما استحسنه البعض من المتضررين وأثار حفيظة آخرين رأوا فى انتقاده للعمال طبقية وفى مطالبته برفع قيمة الإيجارات ظلمًا بينًا. وبالطبع ظهرت أصوات تدق على أوتار أن هؤلاء العمال هم بشر مثلهم مثل الجميع، وأن حرمانهم من التعليم أو التنشئة ليس مبررًا لإقصائهم إلخ. وهو كلام جميل جدًا ومنطقى جدًا جدًا.
لكن المنطق يقع فى حيرة من أمره حين يجد المواطن منا نفسه واقعًا بين شقى رحى. فمن جهة هو أسير فى بيته ومضطر للانصياع لقواعد الفئة الوافدة لأنها الأعلى صوتًا والأكثر قدرة على بسط هيمنتها فى ضوء موت سريرى لتطبيق القوانين. ومن جهة أخرى، فإن مالك الوحدة السكنية يفكر بدلاً من المرة عشرا قبل أن يجاهر بشعوره بالضيق لأنه بذلك سيتعرض للاتهام الرنان بازدراء الفقراء، وهو اتهام لو تعلمون جذاب وبراق.
بريق الـ«بوست» اشتعل بعد ما أضفت معلومة قوامها أن بين أولئك العمال من ينخرط فى سرقات تعرضت لها بيوت عدة فى مدينة الشروق على مدار الأسابيع القليلة الماضية بشكل متواتر. وكلما يتم الإعلان عن القبض على تشكيل عصابى يتضح أن أغلب الأعضاء عمال نزحوا إلى المدينة حيث عملهم، لا سيما فى مجال البناء والدليفرى.
وكما هو متوقع تمامًا ثار البعض باسم العمال، وبعضهم تجاوز فى ثورته لاجئًا إلى السب والشتم لـ«الطبقة المخملية» «التى لا تشعر بمشكلات البسطاء» و«تكره الفقراء والعمال والمهروسين والمدهوسين».
متلازمة الربط بين التضرر من تصرفات البعض من البسطاء وعنجهية القابعين فى النصف الأعلى من الهرم الطبقى باتت سخيفة ومستهلكة. فتعرض بيتى للسرقة من قبل تشكيل عصابى أعضاؤه عمال لا يعنى أن كل العمال حرامية. لكن فى الوقت نفسه، ستدعونى مثل هذه السرقة إلى المطالبة بالتدقيق فى ظاهرة تأجير الوحدات السكنية فى المدينة لكل من هب ودب دون ضابط أو رابط. وتعرضى وأسرتى لمضايقات مستمرة من قبل البعض من هؤلاء العمال لأننا لا نتطابق فى مظهرنا مع مظهرهم لا تعنى أننى كارهة للعمال وعدوة للبروليتاريا، ولكنى كارهة للتدخل فى شؤون الغير وفرض ثقافة وأسلوب حياة غصبًا علينا. واعتراضى على الشتائم والسباب والنظرات المخترقة من قبل بعضهم لا يعنى مخملية انتمائى بقدر ما يعكس رفضى المطلق لقلة الأدب وانعدام التهذيب حتى لو كنا جميعًا ضحايا عقود من الفساد والتجريف. إنه احتقان الطبقات مع غياب القانون فى وقت الأزمات.
تقلا عن المصر ياليوم القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع