توقيت القاهرة المحلي 06:15:04 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تجديد الإرهاب الدينى

  مصر اليوم -

تجديد الإرهاب الدينى

بقلم - أمينة خيرى

هل نحن بصدد تجديد الإرهاب الدينى بعدما تجاهلنا وتعامينا وتقاعسنا عن تجديد الخطاب الدينى؟ وهل نشهد هذه الأيام بزوغ مدارس تديينية مصرية شعبية نابعة من مزيج جهنمى من عادات وتقاليد مصرية قديمة تميل إلى التدخل فى شئون الغير وإصدار أحكام على الآخرين بناء على مدى تطابقهم أو تباعدهم عن الشكل المفترض فى «المواطن النموذج»، مع وصول أبناء منظومة «نصف التعليم» إلى مرحلة النضج وتقلدهم مقاليد الأمور فى عائلاتهم وأعمالهم؟ونضيف إلى هذه التركيبة الرهيبة عوامل كثيرة، فهناك الفقر ولجوء كثيرين إلى التمسك بتلابيب التدين المظهرى مثل غريق يتعلق «بقشاية» تمنعه من الغرق فى الإحباط والاكتئاب.

وهناك عملية استلاب العقول عبر تفسيرات دينية احتكرها مشايخ اختزلوا الدين فى نكاح ومضاجعة وامرأة لا تخرج عن كونها ماكينة لممارسة الجنس، ومن ثم ينبغى تخبئتها تحت طبقات من المواد العازلة حتى لا يستخدمها آخرون فاقدون للقدرة على السيطرة على شهواتهم وغرائزهم، وتصوير هذا الفقدان باعتباره طبيعة سماوية وتركيبة ذكورية منصوص عليها ولا يمكن كبحها إلا بتكهين الماكينات وعزلها.

وهناك كذلك الاستمتاع بفكرة الفوقية، حيث الإفراط فى التضييق والمبالغة فى الادعاء بالتشبُّه بالأولين -حتى وإن كان تشبُّهاً قوامه المظهر وإطاره سفسطة كلامية لا علاقة لها بالأخلاق أو المعاملات أو السلوكيات- وجميعها عناصر درامية تحقق قدراً كبيراً من الانجذاب والإعجاب لدى فئات عديدة لم تجد من يحنو عليها تعليمياً أو ثقافياً أو تنويرياً أو حتى سلوكياً.

السلوكيات السائدة فى الشارع المصرى المتدين جداً مظهرياً تقول الكثير عن النسخة الجديدة من التديين.

وهى للعلم سلوكيات لا تقتصر على فئات بعينها أو طبقات دون غيرها، لكنها تتسم بالاتساع لكثيرين مقبلين من شتى أرجاء الهرم الطبقى والاجتماعى والثقافى.

الثقافة المصرية، ومعها الهوية والحضارة التى انسحقت انسحاقاً لا ريب فيه أمام موجات من التديين عابرة للحدود، تجد نفسها هذه الآونة فى موقف لا تُحسد عليه، فمن كانوا حتى وقت قريب يمثلون المرجعية لهذه النسخة من التدين يتخلون عنها رويداً معترفين بأن الدين لا يقتصر على مظهر دون غيره، وتضييق وحظر وحجر وفصل، وتنصيب فئات من البشر رقيبة على أخلاق وتصرفات وتدين غيرها.

ويجد الكثيرون من المصريين أنفسهم حالياً فى الهواء دون سند أو دعم يرتكزون عليه فى نسختهم الممسوخة من التدين، فمن كانوا مرجعيتهم، ومن كان تضييقهم وإغلاقهم وعزلتهم نموذجاً يُحتذى ركبوا قطار التحديث والعقلانية والتطور دون أن ينظروا وراءهم.

وتركوا وراءهم جموع المصريين ممن لم يجدوا ما يفتتنون به سوى مظاهر شكلية وتضييقات حياتية وانغلاقات فكرية ترفع شعار «كلما صعّبت على نفسك الحياة وأجهدت نفسك بالقيود وعرقلتها بالعقد والتضييق كنت إلى الله أقرب».

هذه الجموع التى اعتنقت هذا الشعار عن قناعة، وغيرها ممن سارت فى الركب وانتهجت النهج دون تفكير أو تعقُّل أو تدبُّر، مرشحة للقيام بدور كبير فى «تجديد الإرهاب الدينى» الذى نحن مقبلون عليه بكل ثقة وتؤدة.

هذا التجديد الذى يلوح فى الأفق يستمد جانباً من قوته وبأسه من إخفاق أو إغفال أو تعامٍ عن دعوة الرئيس، وكل مصرى احتفظ بهويته دون مسخ، لتجديد الخطاب الدينى.

تجديد الإرهاب الدينى بنسخته الشعبوية الواضحة وضوح الشمس فى الشارع المصرى مرشحة للتفاقم.

«أختى المنقبة» تعطى لنفسها الحق لتدعو «أختها غير المنقبة» التى لا تعرفها للنقاب فى مترو الأنفاق.

محطات مترو الأنفاق تحوى زوايا للصلاة فى كل منها، فهى ضرورة حتمية، لكن تنظيم سير الركاب فى المحطات المزدحمة ومنع الباعة الجوالين فى كل عربات الخطين الأول والثانى أمور لا قيمة لها.

مكبرات صوت المساجد يجب أن تناطح بعضها بما فيها من يتسم صوته بالقبح والسوء، وإن اعترضت فأنت حتماً كاره للدين ومعادٍ للتدين.

جدران المصاعد -حتى فى الكثير من العمارات الراقية- تحمل أمارات التدين، حيث الأقلام «الماركر» تخط عبارات دينية إسلامية لعل الركاب يهتدون، والمعترض على تشويه الملكيات العامة حتماً يفضل عبارات الفسق والفجور ولا بد من ترهيبه بتهمة «كراهية الدين والالتزام».

الالتزام بالقانون (رحمة الله عليه) من شأنه أن يقلص من حجم الجهود الشعبوية المصرية للمضىّ قدماً فى تحقيق النسخة الجديدة من الإرهاب الدينى.

من يجرؤ على الكتابة على الممتلكات العامة (سواء كانت عبارات دينية أو غرامية أو إعلانية) يحاسب.

ومن يلطع ملصقاً على زجاج سيارته (سواء كان سيفين وشهادة أو «بوسى تحب خلوصى») يحاسب.

ومن ينصب نفسه عالماً بأمور الدين وناصحاً لأحوال المتدينين يجرى منعه وشجبه.

وهلم جراً، وإلا فانتظروا النسخة المقبلة من «تجديد الإرهاب الدينى» بشعبوية مصرية منزوعة التمويل خالية من المرجعيات الكلاسيكية ومعتمدة على الفهلوة وأنصاف المتعلمين والترويع عبر اتهامات سابقة التعليب لتصنيف المواطنين كل بحسب درجة تدينه الشكلى.

 

 

 

نقلا عن الوطن القاهريه

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تجديد الإرهاب الدينى تجديد الإرهاب الدينى



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon