توقيت القاهرة المحلي 07:53:45 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ثقافة معاداة القانون

  مصر اليوم -

ثقافة معاداة القانون

بقلم : أمينة خيري

القوانين لا يتسلل حبها إلى القلوب. ولا تجعل الناس ترتدع وتمتثل لمجرد صدورها. وفى بعض الأعراف، وبسبب تشابكات اجتماعية وسياسية واقتصادية نشأ البعض ليس فقط على معاداة القوانين، بل على التفنن فى كسرها وخرقها وضرب عرض الحائط بها. ونظرة سريعة إلى تفاصيل حياتنا اليومية تكفى للتيقن بأن ثقافة قائمة بذاتها نشأت لدينا وترعرعت وأورقت وأورفت اسمها «ثقافة معاداة القوانين». هذه الثقافة تجعل المرء ينظر إلى القوانين باعتبارها مكبلة لحريته وخانقة لأنفاسه وجاثمة على صدره، حتى لو لم تكن تتعلق به مباشرة. خذ عندك مثالاً يسرى كالنار فى الهشيم فى الشارع المصرى هذه الآونة. مشاهد وأخبار إزالة التعديات «المجرمة» (نعم المجرمة) على أراضى الدولة وممتلكاتها (التى هى أراضى الشعب وممتلكاته) بالإضافة إلى الأدوار المخالفة (وما أكثرها) والعمارات السكنية القائمة على مخالفات وتعديات من الألف إلى الياء، يراها البعض باعتبارها «تعدياً من الحكومة على المواطنين الغلابة» أو «إيه المشكلة يعنى يا عم فى دور ولا دورين زيادة؟ هو انت شايلهم على كتافك؟» و«مش حرام نعمة ربنا (المبانى المخالفة) تتهان كده؟»، «واحد عنده كام قيراط بنى عليهم حتى عمارة، إيه المشكلة يعنى؟!» وغيرها من التعليقات التى لولا أننى سمعتها بنفسى لتشككت فى أن يكون هناك من يعتبر إزالة الأدوار المخالفة ظلماً وقهراً من الدولة للمواطن المسكين. لكن حين تقع هذه الأدوار المخالفة على دماغ المواطن المسكين، فإن الدولة لا تصبح ظالمة بل قاتلة، لأنها تركته يعيش تحت سقف مهدد بالانهيار. البناء على الأرض الزراعية الذى هو جريمة لا تغتفر من ساسها لرأسها بات الكثيرون ينظرون لها باعتبارها حقاً وحرية شخصية. والغريب أن فكرة مخالفة القانون لا تخطر على بال كثيرين، وحين تطرح أمام البعض يعتبرها أمراً ثانوياً لا ينبغى أن يشغل بال أحد، لأن هناك أولويات مثل عدد مكبرات الصوت فى الجامع، أو نوع الجبنة الرومى فى السندوتش، أو سعر كيلو اللحمة. ورغم أن كل ما سبق أمور مهمة وعلى العين وعلى الرأس، لكن القاعدة الأهم والأكبر التى تتحكم فى حياة البشر -أى بشر- هى أسس وقواعد تنظيم الحياة، وتعرف فى العصور الحديثة نسبياً باسم «القوانين». والأغرب أن الكثيرين -وأخشى أن أقول الغالبية- لم تعد تكترث للقوانين، أى قوانين. مرة أخرى، نعود إلى الشارع، وننظر بأعيننا دون الحاجة إلى عدسة مكبرة أو دراسة علمية. قواعد المرور وقيادة المركبات، كم فى المائة منا يلتزم بها، أو بنصفها أو بربعها؟ بل كم فى المائة منا ملماً بها من الأصل؟ وكم فى المائة منا على قناعة بأن اتباع قواعد القيادة يقى نسبة معتبرة من حوادث الطرق القاتلة؟ لن أكون مبالغة أو متشائمة لو قلت إن الأغلبية المطلقة لا تلتزم قواعد القيادة بل تحتقرها وتزدريها. مصيبة السير العكسى تسير من سيئ لأسوأ، وتمتد لتصل إلى ميادين كبرى بعد ما غمرت الشوارع الفرعية والمدن الجديدة. والكارثة الحقيقية تكمن فى استهانة من يسير عكسياً بفداحة ما يفعل. وأضف إلى ذلك السيارات التى تسير دون لوحة أرقام أو بلوحة «دبى» أو «ألمانيا» أو «نيوزيلندا» على سبيل الشياكة. احتلال الرصيف بمقاعد أو بضائع أو قعدة حلوة ساعة عصرية على باب المحل لا يعتبرها المحتل احتلالاً، بل هى أمر عادى جداً. تلال القمامة فى كل ركن أصبحت هى الأخرى عادية جداً. لا تزعح من يرميها، ولا تضايق من يمر أمامها، بل يصل الأمر إلى درجة أن يكون المقهى محاطاً بالقمامة والذباب وكلاهما لا يضايق الرواد، بل الأدهى أنهم لا يلاحظونها. ولأن هذه المخالفات والتعديات تُرِكت حتى توغلت وتغولت وولدت فى كنفها أجيال متتالية ظنت أن هذه هى الحياة العادية، فكبرت وحسها الجمالى صفر، ووعيها السلوكى صفر، والتزامها القانونى صفران. وحين سأل الرئيس السيسى مستنكراً «مين إداله الترخيص؟» فى إشارة إلى عمارة مخالفة، فإن السؤال لخص الأزمة. «اللى إداله الترخيص» و«اللى سابه يقود سيارته عكس الاتجاه» و«اللى سابه يحتل الرصيف» و«اللى إداله الحق فى تخصيص وقته للدروس الخصوصية وإلغاء خانة المدرسة» و«اللى ساب السياس يتحكموا فى ملايين المواطنين» و«اللى ساب الناس ترمى زبالة فى كل مكان» هم الأب والأم اللذان أغفلا تربية الأبناء على ما يصح وما لا يصح، والمعلم الذى تجاهل دوره التربوى، وشيخ الجامع الذى اختزل الدين فى عبادات ومظاهر، ومسئول الإعلام الذى حدد غايته فى إرضاء المسئولين وليس توعية المواطنين، والموظف الحكومى الذى دهس ضميره فى مقابل مادى ووافق على مخالفات البناء والتعديات، وأخيراً وليس آخراً من أهملوا وتهاونوا وتغاضوا عن القيام بمهامهم فى مراقبة تطبيق القانون.

كلمة أخيرة: ما تم هدمه فى عقود لن يعاد بناؤه فى أيام أو أسابيع، ولكن علينا أن نبدأ.

a

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ثقافة معاداة القانون ثقافة معاداة القانون



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 08:21 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 19:21 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

برشلونة يحتفل بذكرى تتويج ميسي بالكرة الذهبية عام 2010

GMT 11:32 2020 الجمعة ,25 كانون الأول / ديسمبر

دبي تهدي كريستيانو رونالدو رقم سيارة مميز

GMT 04:41 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

وزارة الصحة الروسية تسمح بتغيير نظام اختبار لقاح "Sputnik V"

GMT 21:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

أول تعليق من نيمار بعد قرعة دوري أبطال أوروبا

GMT 06:29 2020 السبت ,17 تشرين الأول / أكتوبر

حمادة هلال يهنئ مصطفي قمر علي افتتاح مطعمه الجديد

GMT 07:23 2020 الجمعة ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الجبس في مصر اليوم الجمعة 16 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 14:35 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

سموحة يعلن سلبية مسحة كورونا استعدادًا لمواجهة المقاصة

GMT 01:05 2020 الثلاثاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

الزمالك يقبل هدية الأهلي لتأمين الوصافة ويُطيح بحرس الحدود

GMT 15:44 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

سموحة يبحث عن مدافعين لتدعيم صفوفه في الميركاتو الصيفي

GMT 07:13 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الجبس في مصر اليوم الإثنين 12 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 06:34 2020 الأربعاء ,07 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حفل عقد قران هنادى مهنا وأحمد خالد صالح

GMT 15:02 2020 الأربعاء ,30 أيلول / سبتمبر

خيتافي وفالنسيا يتقاسمان صدارة الدوري الإسباني
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon