توقيت القاهرة المحلي 20:18:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ثقافة معاداة القانون

  مصر اليوم -

ثقافة معاداة القانون

بقلم : أمينة خيري

القوانين لا يتسلل حبها إلى القلوب. ولا تجعل الناس ترتدع وتمتثل لمجرد صدورها. وفى بعض الأعراف، وبسبب تشابكات اجتماعية وسياسية واقتصادية نشأ البعض ليس فقط على معاداة القوانين، بل على التفنن فى كسرها وخرقها وضرب عرض الحائط بها. ونظرة سريعة إلى تفاصيل حياتنا اليومية تكفى للتيقن بأن ثقافة قائمة بذاتها نشأت لدينا وترعرعت وأورقت وأورفت اسمها «ثقافة معاداة القوانين». هذه الثقافة تجعل المرء ينظر إلى القوانين باعتبارها مكبلة لحريته وخانقة لأنفاسه وجاثمة على صدره، حتى لو لم تكن تتعلق به مباشرة. خذ عندك مثالاً يسرى كالنار فى الهشيم فى الشارع المصرى هذه الآونة. مشاهد وأخبار إزالة التعديات «المجرمة» (نعم المجرمة) على أراضى الدولة وممتلكاتها (التى هى أراضى الشعب وممتلكاته) بالإضافة إلى الأدوار المخالفة (وما أكثرها) والعمارات السكنية القائمة على مخالفات وتعديات من الألف إلى الياء، يراها البعض باعتبارها «تعدياً من الحكومة على المواطنين الغلابة» أو «إيه المشكلة يعنى يا عم فى دور ولا دورين زيادة؟ هو انت شايلهم على كتافك؟» و«مش حرام نعمة ربنا (المبانى المخالفة) تتهان كده؟»، «واحد عنده كام قيراط بنى عليهم حتى عمارة، إيه المشكلة يعنى؟!» وغيرها من التعليقات التى لولا أننى سمعتها بنفسى لتشككت فى أن يكون هناك من يعتبر إزالة الأدوار المخالفة ظلماً وقهراً من الدولة للمواطن المسكين. لكن حين تقع هذه الأدوار المخالفة على دماغ المواطن المسكين، فإن الدولة لا تصبح ظالمة بل قاتلة، لأنها تركته يعيش تحت سقف مهدد بالانهيار. البناء على الأرض الزراعية الذى هو جريمة لا تغتفر من ساسها لرأسها بات الكثيرون ينظرون لها باعتبارها حقاً وحرية شخصية. والغريب أن فكرة مخالفة القانون لا تخطر على بال كثيرين، وحين تطرح أمام البعض يعتبرها أمراً ثانوياً لا ينبغى أن يشغل بال أحد، لأن هناك أولويات مثل عدد مكبرات الصوت فى الجامع، أو نوع الجبنة الرومى فى السندوتش، أو سعر كيلو اللحمة. ورغم أن كل ما سبق أمور مهمة وعلى العين وعلى الرأس، لكن القاعدة الأهم والأكبر التى تتحكم فى حياة البشر -أى بشر- هى أسس وقواعد تنظيم الحياة، وتعرف فى العصور الحديثة نسبياً باسم «القوانين». والأغرب أن الكثيرين -وأخشى أن أقول الغالبية- لم تعد تكترث للقوانين، أى قوانين. مرة أخرى، نعود إلى الشارع، وننظر بأعيننا دون الحاجة إلى عدسة مكبرة أو دراسة علمية. قواعد المرور وقيادة المركبات، كم فى المائة منا يلتزم بها، أو بنصفها أو بربعها؟ بل كم فى المائة منا ملماً بها من الأصل؟ وكم فى المائة منا على قناعة بأن اتباع قواعد القيادة يقى نسبة معتبرة من حوادث الطرق القاتلة؟ لن أكون مبالغة أو متشائمة لو قلت إن الأغلبية المطلقة لا تلتزم قواعد القيادة بل تحتقرها وتزدريها. مصيبة السير العكسى تسير من سيئ لأسوأ، وتمتد لتصل إلى ميادين كبرى بعد ما غمرت الشوارع الفرعية والمدن الجديدة. والكارثة الحقيقية تكمن فى استهانة من يسير عكسياً بفداحة ما يفعل. وأضف إلى ذلك السيارات التى تسير دون لوحة أرقام أو بلوحة «دبى» أو «ألمانيا» أو «نيوزيلندا» على سبيل الشياكة. احتلال الرصيف بمقاعد أو بضائع أو قعدة حلوة ساعة عصرية على باب المحل لا يعتبرها المحتل احتلالاً، بل هى أمر عادى جداً. تلال القمامة فى كل ركن أصبحت هى الأخرى عادية جداً. لا تزعح من يرميها، ولا تضايق من يمر أمامها، بل يصل الأمر إلى درجة أن يكون المقهى محاطاً بالقمامة والذباب وكلاهما لا يضايق الرواد، بل الأدهى أنهم لا يلاحظونها. ولأن هذه المخالفات والتعديات تُرِكت حتى توغلت وتغولت وولدت فى كنفها أجيال متتالية ظنت أن هذه هى الحياة العادية، فكبرت وحسها الجمالى صفر، ووعيها السلوكى صفر، والتزامها القانونى صفران. وحين سأل الرئيس السيسى مستنكراً «مين إداله الترخيص؟» فى إشارة إلى عمارة مخالفة، فإن السؤال لخص الأزمة. «اللى إداله الترخيص» و«اللى سابه يقود سيارته عكس الاتجاه» و«اللى سابه يحتل الرصيف» و«اللى إداله الحق فى تخصيص وقته للدروس الخصوصية وإلغاء خانة المدرسة» و«اللى ساب السياس يتحكموا فى ملايين المواطنين» و«اللى ساب الناس ترمى زبالة فى كل مكان» هم الأب والأم اللذان أغفلا تربية الأبناء على ما يصح وما لا يصح، والمعلم الذى تجاهل دوره التربوى، وشيخ الجامع الذى اختزل الدين فى عبادات ومظاهر، ومسئول الإعلام الذى حدد غايته فى إرضاء المسئولين وليس توعية المواطنين، والموظف الحكومى الذى دهس ضميره فى مقابل مادى ووافق على مخالفات البناء والتعديات، وأخيراً وليس آخراً من أهملوا وتهاونوا وتغاضوا عن القيام بمهامهم فى مراقبة تطبيق القانون.

كلمة أخيرة: ما تم هدمه فى عقود لن يعاد بناؤه فى أيام أو أسابيع، ولكن علينا أن نبدأ.

a

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ثقافة معاداة القانون ثقافة معاداة القانون



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 08:21 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:36 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الأمير الحسين يشارك لحظات عفوية مع ابنته الأميرة إيمان

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 13:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 12:19 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مصر تحصد 31 ميدالية متنوعة مع ختام بطولتي الرماية

GMT 13:55 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

الهلال يستضيف الزمالك في ليلة السوبر السعودي المصري

GMT 06:08 2024 الإثنين ,09 أيلول / سبتمبر

عطور نسائية تحتوي على العود

GMT 08:19 2022 الأحد ,25 كانون الأول / ديسمبر

أزمة الطاقة وسيناريوهات المستقبل

GMT 19:18 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الطرق الصحيحة لتنظيف الأثاث الجلد

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon