بقلم - أمينة خيري
فرق شاسع بين القوات متعددة الجنسيات والمرتزقة متعددى الجنسيات. الأولى تكون تحت ولاية الأمم المتحدة، والغرض منها إنفاذ السلام وحفظه، ولها إطار قانونى وقواعد صارمة ومواقعها معروفة ولا تعمل منفردة بحسب الهوى أو الميل أو الأيديولوجيا أو بحسب «من يدفع أكثر». وأكثر ما يُقلق فى مسألة «المرتزقة»، وفى أقوال أخرى «المتطوعين الأجانب»، الذين يخوضون مضمار حرب أو صراع دون ضابط أو رابط أو قاعدة بيانات أو انتماء وطنى، هو مصيرهم بعد انتهاء الصراع. عادة لا يتوقف هؤلاء عن القيام بالمهام التى تم استئجارهم من أجلها بعد انتهاء الصراع. يصبح القتال مهنتهم والقتل غايتهم والتخريب والتدمير والتشريد أسمى أمانيهم. لم نسمع من قبل عن «مرتزق» عاد إلى عمله فى مصنع أو مكتب أو مستشفى أو محل بعد انتهاء فترة الانتفاع به.
وحين دعا الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى قبل أسابيع «محبى أوكرانيا» من غير الأوكرانيين للانضمام إلى صفوف جيشه لمقاومة الروس بدت الدعوة استغاثة ولجوءًا وتعلقًا بقشاية تحت وطأة الغزو العظيم، لكنها فى حقيقة الأمر دعوة لا تحمل إلا المزيد من الخراب واتساع رقعة الشر فى العالم، لاسيما المناطق بالغة الحساسية والقابلة للكسر على ظهر الكوكب. وقد تبع ذلك تحرك روسى للعمل بالمثل، وقرأنا التصريحات الروسية الرسمية، وطالعنا التقارير الخبرية وجميعها يتحدث عن جهود روسية أيضًا لاستقدام مقاتلين غير روس للقتال باسم روسيا. الكرملين أعلن السماح لمن يرغب من المقاتلين من سوريا ودول الشرق الأوسط بالقتال معهم فى أوكرانيا. وبحسب المصادر الرسمية الروسية نفسها، فإن معظم الراغبين وطالبى القتال مع روسيا فى أوكرانيا مواطنون من دول الشرق الأوسط، وعلى وجه الدقة سوريون! وكأن منطقتنا بالغة الحساسية المفعمة بكم من الصراعات والاقتتالات التى لا تلبث أن يهدأ أحدها حتى يستعر آخر مع توافر عناصر الاشتعال السريع، حيث «أفيون» الانتماء الدينى والجهاد فى سبيل الله بقتل العباد وتخريب البلاد بأسلحة صنعها «الكفار». التنابز بالمرتزقة والاقتتال بهم والاعتماد عليهم فى الحرب الروسية- الأوكرانية سيُلقى بظلال ثقيلة على العالم أجمع، لاسيما عالمنا العربى «اللى مش ناقص». طرفا الحرب فى أوكرانيا وألتراس الواقفين فى صف هذا وذاك أيقنوا أهمية صبغ القتال بالصبغة القاتلة والجاذبة فى الوقت نفسه. وأنا كـ«مرتزق» قادم من منطقة الشرق الأوسط المتأرجحة بين مشكلات اقتصادية طاحنة وصراعات متلونة بألوان المعتقد والملة سأشعر بقدر أكبر من القيمة حين أحمل السلاح مصحوبًا بفتوى تبارك عمليات القتل والتخريب التى سأقوم بها، سواء على هذا الجانب أو ذاك. مفتى أوكرانيا نزع العمامة وسيحارب الروس باسم الإسلام. ورجال دين مسلمون فى روسيا يصلون من أجل بوتين ومهمته فى أوكرانيا. ومفتى الشيشان أكد أن القتال مع الروس جهاد فى سبيل الله. فهل الخطر الدامغ الذى يلوح فى الأفق واضح؟