بقلم : أمينة خيري
لكل أزمة وجه مضىء. وفى كل معضلة تبدو كاملة التعقيد يبزغ شعاع نور. يصعب الحديث عن فرصة أو نور أو خير فى شأن جنوح سفينة الحاويات العملاقة «إيفرجيفن». لكن الصعوبة لا تعنى التعامى عن رؤية الصورة الكاملة، وما وراء الصورة، وما أمامها. مشكلة ضخمة تسببت فى تعطل حركة نقل بضائع عالمية تقدر بنحو 9.6 مليار دولار يومياً. حركة المرور اليومية المتجهة غرباً فى قناة السويس تقدر بنحو 5.1 مليار دولار، فى حين تقدر الحركة المتجهة شرقاً بنحو 4.5 مليار دولار يومياً. خبر جنوح السفينة وتعطلها وتعطل حركة الملاحة فى قناة السويس «الحبيبة» ملء السمع والأبصار والأخبار. المنصات الإعلامية الغربية والشرقية وما بينهما اتخذته وتطوراته الحدث الرئيسى. وهذا لو تعلمون عظيم ومنير وكاشف.
فى السنوات القليلة الماضية، اتخذت منصات إعلامية مهمة ذائعة الصيت فى الشرق والغرب من قناة السويس وفرعها الجديد المرتبط أداة للانتقاد السياسى والاقتناص الاقتصادى والهمز الإعلامى. عناوين عديدة ظلت تدور فى فلك تضاؤل أهمية قناة السويس واقتصار دورها على النوستالجيا التاريخية. تحليلات تواترت حول أهمية الطرق البديلة والمنافسة للقناة «التى باتت ذكرى وأطلال». لكن ماذا حدث مع أزمة «إيفرجيفن»؟ اهتمام وهلع غير مسبوقين يخبرانا أنه فى «وقت الجد» يكشف هؤلاء عن أن القناة مازالت تحتفظ بدورها الحيوى الطاغى وأهميتها الملاحية والاقتصادية القصوى، بل ويزيد. ارتفاع أسعار النفط فى بورصة نيويورك بعد دقائق من الجنوح، والقلق العالمى البالغ من تأخر إمدادات وأغذية وحديث عن نفاد مخزون وغيرها جميعها أفاد مصر والمصريين فائدة لا تقدر بمال. سنوات الهبد التى تركزت حول اضمحلال القناة، وجهود الرزع التى استهدفت ملايين المصريين لا سيما الشباب ممن باتوا يعتبرون القناة «ترعة» لا قيمة لها انهارت وكشفت كذبها بفضل «إيفرجيفن».
ولو كنا قد كتبنا سيناريو مسبقاً لتوضيح أهمية القناة التى نالوا منها، لما تم بهذا الإبداع الذى نفذته المنصات نفسها التى اجتهدت للنيل من قناة السويس. قناة السويس لم تنصب نفسها على قمة مسارات العالم الملاحية غصباً أو دون سند. لكنها على القمة لأنها كذلك. وهذا لا يعنى أن القناة فوق المنافسة. لكن يعنى أن القناة حتى اللحظة محتفظة بمكانتها. آخر ما يمكن قوله فى هذا الصدد هو أن ما جرى فى قناة السويس أعاد التأكيد على هذا السلاح الآخر المتمتع بصفة ثنائية الحد. إنه منصات التواصل الاجتماعى التى تحوى كل غث وسمين. بات معروفا أن الملايين من القابعين أمام شاشاتهم يصبحون خبراء ومحللين لكل حدث كبير أو صغير عن علم أو دونه. وبات معلوما أيضاً أن سلاح السخرية يتم استخدامه أحياناً بشكل يكشف عن انتماءات وأولويات يسميها البعض سطحية أو شح وطنية وربما ارتباكا فى ترتيب الأولويات. شكراً «إيفرجيفن» ولكن يبقى لحديث تناول الأزمة بقية