بقلم : أمينة خيري
على باب «مدينتى» على طريق السويس، وقف أفراد الأمن وعلامات الارتباك على وجوههم. مهمتهم متمثلة فى التحقق من أن السيارات والدراجات النارية المجتازة البوابات ليس فيها ما أو من قد يثير القلق. الارتباك المشوب بالحرج سببه فتاة منتقبة تقود دراجة نارية. ورغم الأعداد الكبيرة للمنتقبات اللاتى يسكنّ أو يزرن «مدينتى»- شأنها شأن بقية أنحاء مصر الحديثة- إلا أن الموقف أربكهم. فقد قبل العرف «الأمنى» أن تقود المنتقبة سيارتها.
القاعدة العريضة من المجتمع باتت تنظر للأنثى المنتقبة باعتبارها مسلمة عظيمة بإيمانها قريبة من ربها، ومن ثم فهى فوق مستوى الشبهات. وكم من مرة أنظر فيها بعجب إلى كمين أمنى على طريق السويس يستوقف بعض السيارات للتحقق من هوية راكبيها، بينما تمر المنتقبة التى تقود سيارة مرور الآمنين السالمين، وكأنها ليست مثارًا للتشكيك.
وعلى سيرة التشكيك والتفتيش، فإن الفتاة المنتقبة قائدة الدراجة النارية طُلب منها إبراز بطاقة هويتها، وهنا مربط الفرس، فقد اطلع رجل الأمن المرتبك المتحرج على بطاقتها التى تفيد بأنها من سكان المدينة، وتركها تجتاز البوابات. هزل الموقف وكوميدياه السوداء لا يكمن فقط فى سؤال ساذج حول كيف عرف رجل الأمن أن البطاقة تخص الفتاة، لكنه يكمن فى أن هذا الإجراء ليس الأول من نوعه. وكنت شاهدة على موقفين متطابقين، أحدهما فى بنك شهير، حيث دخلت سيدة منتقبة تنهى معاملة، فطلب منها الموظف بطاقتها ونظر إليها سريعا، ثم صورها وردها لها شاكرًا وأنهى المعاملة. والموقف الثانى فى باص تابع لنادٍ معروف أيضًا لا يسمح بركوبه إلا الأعضاء حيث أبرزت سيدة منتقبة بطاقة العضوية لفرد الأمن الذى قنع بذلك. قناعة القاعدة العريضة من المصريين المتأرجحة بين سلفية الهوى الواضح وضوح الشمس فى تفاصيل حياتية عدة ومفهوم الحقوق والحرية الشخصية.
وبعيدًا عن الغزوات الخيالية والسفسطات الافتراضية، وبعيدًا كذلك عن موقفى ممن ترى فى وجهها ووجودها فى وسط المجتمع عورة يجب إخفاؤها، أتساءل: كيف لدولة تحارب الإرهاب أن تتسامح وتتصالح وتتضامن وتسكت وتبارك تواجد أشخاص بيننا مجهولى الملامح؟ وكيف لدولة تجد نفسها ضمن الأعلى فى حوادث الطرق تسمح لمن يغطى وجهه أن يقود سيارة ما يستحيل معه التعرف على ملامحه فى حال دهس أحدهم أو ارتكب مخالفة قانونية؟.. ولن أخوض فى الكم الكبير من الممرضات والمعلمات والموظفات المنتقبات فى مؤسساتنا، لكن أقول إن الرد الوحيد المتاح أمامى أجده فى الأستاذ ياسر برهامى العائد إلى الخطابة وخطبه الشهيرة حول النقاب وكيف أنه شعيرة إسلامية وضرورة إنسانية وقاعدة دينية لا يجب التخلى عنها.