بقلم : أمينة خيري
أعلم أن عبارة «الحوار المجتمعى» أصبحت سُبّة فى الجبين بعد ما تحولت عوارًا مجتمعيًا يكتنفه السب والتخوين والتشهير، وأن مجموعات الواتس آب وغيرها تحولت عشوائية تهبد وتتبع مبدأ «الطناش المجتمعى» فيما يختص بمصر الجديدة.
وكما تمت الإشارة قبل أيام هنا، فإن الغالبية تدعم وتثمن عمليات التطوير والتحديث. لكن للتطوير أصولاً جمالية وللتحديث قواعد معمارية، لا سيما حين يتعلق الأمر بحى عريق ذى طبيعة معمارية ظل يباهى بها منذ بنائه قبل ما يزيد على قرن كامل على يد البارون إمبان.
صمت السكان أشهرًا طويلة أثناء عمليات التطوير. لكن حين ظهرت ملامح التحديث، فوجئ الكل بطابع معمارى خرسانى غريب، ومسارات مرورية غير منطقية، وغياب المشاة تماماً عن الفكر.
حتى محاولات تزيين الخرسانات الطاغية عبر الوعود بزراعة أجسام الكبارى وأعمدتها كانت أشبه بمن جاء ليكحلها فأفقدها ما تبقى من إبصارها. فاستدامة المزروعات فى الأماكن العامة لما بعد الافتاح الرسمى مستحيل، وذلك باستثناء الأماكن بالغة الاستراتيجية حيث يجرى «تغيير» الزرع كلما ذبل.
وكان يمكن بناء الكبارى بطابع معمارى يناسب الحى، وهو ما لم يحدث. وكان يمكن أن يلعب نواب البرلمان عن الحى دور همزة الوصل بين الناخبين والمسؤولين، وهو ما لم يحدث.
وما حدث أخيراً هو جهد فردى من النائب المحترم عن مصر الجديدة والنزهة السيد مدحت الشريف الذى طالب ببناء مطبات صناعية مؤقتة للحفاظ على أرواح المارة المهدرة نتيجة تحول الكثير من الشوارع إلى ما يشبه الطرق السريعة بإزالة الجزر فى منتصفها ومعها آلاف الأشجار. لكن الصدمة الحقيقية كانت فى حديث أستاذ الطرق والنقل ومهندس تطوير مصر الجديدة الدكتور أسامة عقيل الذى فند «أكاذيب» طمس هوية مصر الجديدة وقتل الأشجار بقوله إن ما جرى فى هذا الشأن «تابع لمحافظة القاهرة ولا شأن لنا به»!!! وأشار عقيل كذلك إلى أن بناء كبارى مشاة يجب أن يكون دور المجتمع المدنى ورجال الأعمال وليس الدولة!!! يشار إلى أن دكتور عقيل قال فى حديث لـ«دويتش فيللة» فى يوليو الماضى إن «جزءًا كبيرًا من الطرق السريعة فى مصر يخترق التجمعات العمرانية والمناطق السكنية. كما يعانى جزء آخر من الطرق من عدم تقسيمه لحارتين متقابلتين بما يعد من الأسباب الأساسية لوقوع الحوادث». وقتها لم تكن شوارع مصر الجديدة الرئيسية قد تحولت بعد إلى «طرق سريعة» باتجاه واحد حاصدة الأرواح.
المثير أن هناك من يبشرنا بتخصيص أماكن عبور مشاة (تلك التى تحمل خطوطاً على الأرض) وتعتمد على وعى قائد السيارة بوجود هذا الاختراع. ويبدو أن هؤلاء لم يصل إلى مسامعهم أن قادة السيارات حالياً لا تستوقفهم حتى الإشارات الحمراء، ناهيك عن التكاتك والسير العكسى وجنون السرعة. فهل يوقف هؤلاء خطوط عبور المشاة؟ أم أن هذه دعابة؟
«الطناش المجتمعى» فيه سم قاتل.