بقلم : أمينة خيري
اقترب رمضان وكل عام وجميعنا بخير. ومع اقتراب الشهر الفضيل تتكاثر جيوش المتسولين المفتئتين على «روحانيات» رمضان الجميلة. على باب كل محل حلويات ومدخل كل سوبر ماركت، عند كل مطب صناعى وعلى مشارف كل «يوتيرن»، وحول كل منطقة ترفيهية وفى داخل كل بقعة تجارية تأتى هذه الجيوش الجرارة المدربة درامياً لممارسة أشكال الابتزاز الإيمانى على جموع المؤمنين. الأستاذ الخارج لتوه من محل حلويات لن يفكر مرتين قبل أن يدس يده فى جيبه ليخرج بضع جنيهات للمرابطين من المتسولين، إن لم يكن لأن شهر رمضان يحب الخير والتصدق، فلأنه لا يريد أن يصاب ومن يأكل معه بتلبك معوى. ونظرات الجيوش الجرارة فيها من المسكنة والشحتفة بقدر ما فيها من التهديد والوعيد. وبقدر ما فيها «هنيالك يا فاعل الخير» بقدر ما فيها «إلهى ما توعى تأكلها يابعيد». هذا العام، بدأت الاستعدادات مبكراً.
الجيوش منظمة تنظيماً عظيماً. نساء يغطين وجوههن بنقاب، ومعهن عشرات العيال وأحياناً يكون الفارق الزمنى بين العيل والآخر أقل من تسعة أشهر. وعلى بعد أمتار، الرجال بالمقشة الشهيرة والملابس الزرقاء أو البرتقالية المعروفة، ومنهم من لجأ إلى ملابس تشبه عمال تركيب الغاز لأنها الوحيدة المتاحة. صناعة دغدغة المشاعر كاملة متكاملة، فإن كان قلبك لا يرق للمرأة المؤمنة التى ترتدى النقاب رغم فقرها المدقع، فسيرق لعشرات العيال المتناثرين هنا وهناك، وإن لم يرق لهذه أو هؤلاء، فسيلين حتماً لهذا الرجل مفتول العضلات الذى جار عليه الزمان وأصبح كناساً يكنس زبالة حضرتك.
وفى حال ظللت على عنادك وصلفك، وتشبثت بفكرتك «القاسية» عن حتمية العمل الفعلى وليس تراجيديا الصعبنة ومصمصة الشفافيف، فلدينا طلبك. ها هو الشاب مفتول العضلات عريض المنكبين يجول الشوارع لساعات طويلة حاملاً آلة سن السكاكين العتيقة التى قلما يلجأ إليها أحد لسن السكين. وبالطبع معه عدة النصب كاملة، طفل صغير مدرب على التعبيرات التراجيدية، فإن ضيقت عليه الخناق بالحديث عن العمل، نظر إليك نظرة المظلوم المسحوق مشيراً إلى الهودج الذى يحمله.
وإن لمته على اصطحابه الصغير فى رحلة الوهم والخيال التى يقوم بها، نظر إلى السماء وأخبرك بكيف ماتت أمه وحٌرقت خالته ودُهِست عمته ووقع البيت على رؤوس جده وجدته وابن خالته وزوجة ابن عمته. وجدير بالذكر أن أى ما تتفوه به من عبارات تأنيب على استستهال مد اليد وجريمة تدريب الصغار على قيمة دهس الكرامة وقتل عزة النفس، فإن الدعاء عليك وعلى من أنجبوك يا صاحب القلب الحجر الذى لا تشعر بالغلابة المسحوقين هو مصيرك المحتوم.
المحتاج لا ينزل من بيته ومعه موبايله ويجلس على الرصيف ماداً يده. وأكاد أجزم بأن الغالبية المطلقة من هذه الجيوش الجرارة لو عُرضت عليها فرصة تدريب على حرفة لتكسب قوتها بيدها، لرفضت لأن رمضان كريم.