بقلم : أمينة خيري
كل المطلوب تحديد الهدف. هل المراد إخبار وإعلام وتوعية مع بعض التوجيه؟ أم المرجو توجيه وتحفيز مع بعض الإخبار وقليل من التوعية؟ أم لا هذا ولا ذاك، فقط ملء فراغات والتظاهر بأن لدينا ما يناسبنا فى ضوء المرحلة على أن تخضع الساحة لـ«نيو لوك» تارة ونستعيد الـ«أولد لوك» تارة أخرى.
وفى كل يوم يتضح أن المشهد الإعلامى فى مشارق الأرض ومغاربها آخذ فى التحول والتغير. وهو ليس تحولاً إرادياً حيث القائمين على الأمر يطورون ويحدثون، ولا هو تغير مخطط ليفيد الشعوب ويرفع من شأنها.
فقد استيقظ العالم ذات صباح ليجد أن الشبكة العنكبوتية بأذرعها التى لا تعد أو تحصى، من منصات تفاعلية وقدرات خزعبلية على نقل الخبر بينما يحدث وبث الكارثة بينما تقع وتحويل معلقات الصحف إلى بضع كلمات تفى بالغرض ومقاطع مصورة خير من ألف كلمة. وتزامنت هذه التحولات الكبرى بانقلابات عظمى جرت ومازالت تجرى على ظهر الكوكب. تواؤمات سياسية تجمع الأضداد، وصراعات دموية تحصد الأرواح، ومنافسات اقتصادية وأخرى تجارية تعيد رسم خارطة العالم الأول وصياغة توازنات القوى والظل.
التغيرات الكبرى الحادثة، سواء على صعيد التقنيات وتقزم الأدوار التقليدية للصحف والمجلات وأيضًا محطات التليفزيون والإذاعة، ودخول ملايين المتلقين على خط الإنتاج الإعلامى والخبرى باعتبارهم مواطنين صحفيين قلبت موازين الإعلام، ومكنت الجميع من الساحة الإعلامية التى ظلت مهنة يحتكرها الصحفى حتى الأمس القريب. ومع هذا التمكين الذى سحب البساط من تحت الإعلام التقليدى لصالح المواطن الصحفى، تشهد غالبية دول العالم عمليات تغيير من شأنها أن تعيد رسم معالم الكوكب.
صحيح أن حجم التغيير مفزع، وآثار ما بعد التغيير تلقى بظلال وخيمة بالفعل على مناطق عدة فى العالم، ومنطقتنا «المحظوظة» على رأس القائمة، وصحيح أيضًا أن جانبًا من هذه الآثار غير قابل للإيقاف أو المواجهة لأنه بكل بساطة أقوى من مجرد رغبات دول، إلا أن فى الإمكان تزويد البلدان بقدر من المناعة. وتتمثل هذه المناعة فى إعلام قوى فعال، لا يهين ذكاء المتلقى، أو يسلم مقاليده لأفكار الماضى السحيق، أو يقع فى مصيدة الوطنية فى نسختها القديمة غير المواكبة لمواصفات القرن الـ21. هذا الإعلام قادر على النظر إلى الداخل وتقييم وعى المتلقين، واحترام أدمغتهم واختياراتهم، مع الاستماع لما يقولون وليس ما يقال إنهم يقولونه. وهو أيضًا قادر على تقييم الخارج بنظرة موضوعية لا تغرق تمامًا فى التغريب، ولا تصدق كل محتال مختال.
فى دول بعيدة، نجح الإعلام أن يكون محتالاً حيث يقنع المتلقى بأن ما يقدمه له ليس إلا «كبسولة» تجمع المهنية والمصداقية مع قوة الأداء والتنزه عن الأغراض. هذا الإعلام يختال بسمعته الطيبة، لكنه فى الوقت نفسه يحقق أجندته بشياكة. فأى إعلام نريد؟