بقلم - أمينة خيري
قد تكون لديك أعظم فكرة، وأفضل إمكانيات، وأنبل نوايا، وأصدق تحركات.. لكنك لا تملك القدرة على إطلاع مَن حولك أو مَن يهمه الأمر على ما تملك. وربما لديك المهارات الأفضل، والمؤهلات الأنسب، والقدرات الأعلى لتشغل وظيفة ما، لكن فى يوم المقابلة الشخصية تعجز عن شرح ما لديك.
وربما أيضًا لديك شقة رائعة تود بيعها، لكنك تلتقط لها صورًا وهى غارقة فى تلال القمامة، وإزاحة تحت طبقات من الأتربة، ويظهر فيها شبشب ابنك وطرف جلباب البواب وحلة فيها بقايا طعام محروق، فلا تجد من يعيرها اهتمامًا، وإن وجدت فهو يخسف بقيمتها الأرض.
فى الوقت نفسه، تفاجأ بأن شقة جارك ذات الموقع الأسوأ، والتصميم الأقبح، والتشطيب الأدنى معروضة للبيع عبر صور وفيديوهات تم التقاطها بعد تزويد أركان الشقة بأقاصيص الزهور والمزروعات، وتلميع المطبخ وكأنه خرج لتوه من مصنع تلميع الأثاث، وإضاءة الغرف بأضواء دافئة حالمة تعطى المتفصح شعورًا بأن هذا هو البيت المراد.
المراد هو أن الفكرة أو العمل أو الإمكانية الأفضل لا تصاحبها بالضرورة القدرة الأذكى على تقديمها وتسويقها وشرحها. وإذا كان اختيارك هو أن تبقى قدراتك وإمكاناتك وأفكارك حبيسة صدرك ونفسك وبيتك، فهذا اختيارك. فى هذه الحالة، لا تتعجب أو تغضب أو تحزن حين تفاجأ بأن جارك باع شقته الأقل بكثير من شقتك قبلك بأشهر وبضعف الثمن الذى بِعت أنتَ به شقتك الجميلة الرائعة الغارقة فى الأتربة والحلة المحروقة!.
ولحسن الحظ أنك طالما على قيد الحياة وترغب فى التغيير والتعديل والتطور، والأهم من ذلك لديك إرادة التغيير، فيمكنك اكتساب مهارة التسويق. كل ما عليك عمله هو أن تدرك أنه حان وقت التطوير والتغيير عبر الاستعانة بالمهارات المناسبة، ثم البحث عن السبل المثلى لاكتساب هذه المهارات، وذلك عبر مبدأ واحد لا ثانى له: «إدى العيش لخبّازه».
لكن لو أعطيت العيش لـ«خباز» لا يرى عيبًا أو حرجًا أو مشكلة فى أن يعرض شقتك للبيع عبر نقل الأتربة من الصالون إلى السفرة، أو نقل الحلة المحروقة من المطبخ إلى الحمام.. ففى هذه الحالة، أنت والخباز الذى اخترته فى حاجة إلى الاستعانة بـ«أسطة الخبازين» الذى يحمل خبرات وشهادات وسابق أعمال تؤكد مما لا يدع مجالًا للشك أنه قادر على القيام بالمهمة.
مهام كثيرة من حولنا يقوم بها أصحاب أنصاف الخبرات والمواهب والمؤهلات. والغريب أن بيننا من يحملون مواهب وخبرات ومؤهلات كاملة تؤهل كلا منهم ليكون خبيرًا فى مجاله.
وأشير هنا إلى مسألة التخصص التى لا نعيرها القدر الكافى من الاهتمام. كونك أفضل مدرس علوم ابتدائى لا يعنى أنك قادر على أن تكون أفضل مدرس علوم ثانوى. قد تتم الاستعانة بك بصفة مؤقتة لحين تعيين مدرس علوم للثانوى، واستمرارك فى التدريس للثانوى لا يعنى أنك بِتَّ مؤهلًا لذلك، بقدر ما يعنى وجود خلل فى إدارة التعيينات.