بقلم - أمينة خيري
أنا خرجت من بيتنا. أنا التقيت أصدقاء وصديقات. أنا صورت نفسى معهم. أنا حمّلت الصور على منصات التواصل الاجتماعى. أنا ذهبت إلى الامتحان. أنا نجحت فى التسلل إلى قاعة الامتحان ومعى هاتفى المحمول. أنا صورت نفسى وأنا أتعاون مع الزملاء فى حل الامتحان. أنا نشرت ما تيسّر من صفحات على السوشيال ميديا. أنا أستعد لفرحى. أنا طلبت من صديقاتى توثيق استعداداتى واحتفالاتى بزواجى، ونشرت الفيديوهات أو تم بثها «لايف» على السوشيال ميديا. أنا فى فرحى. أنا أرقص. أنا أبكى من الفرحة. أنا أحتضن أبى وأمى. أنا أُقبل عريسى. أنا أنشر فرحتى ورقصى وقبلاتى وأحضانى على السوشيال ميديا. أنا فى معركة حامية الوطيس مع زوجى. أنا أُوثق المعركة على هاتفى المحمول. أنا أتهمه بأفظع الاتهامات. هو يرد بسباب وشتائم. أنا مستمرة فى التوثيق. أنا أنشر التوثيق على السوشيال ميديا. أنا توجهت إلى المصيف لأقضى بضعة أيام فى أحضان البحر والرمال والكافيهات.
أنا أصور كل خطوة أخطوها. سباحة، حمام شمس، قهوة، بيرة، رقصة على البحر، إغفاءة على البر، حفلة مسائية، رحلة بحرية، جولة شاطئية، ببساطة شديدة، أنا صورت كل كبيرة وصغيرة. أنا نشرت رحلتى على السوشيال ميديا. أنا فى كَتب كتابى. أنا أوجه كلمة لعريسى أمام أهلى وأصدقائى. أنا أعرف أن أحدهم يصور المناسبة الجميلة. أنا أوجه كلماتى وأعرف أن الكاميرا تصورنى. أنا أعرف أنه تم تحميل الفيديو على السوشيال ميديا. فى كل ما سبق، وفى كل ما سيلحق بما سبق، ومادامت الكاميرا مفتوحة، ومادام البحث عن الترند محمومًا، ومادام أنا أعلم أن أقوالى وأفعالى- حتى لو كنت أعتبرها أعظم أقوالى وأفضل أفعالى- متاحة للمتابعة والمشاهدة وإعادة التغريد، فأنا ليس من حقى أن أغضب أو أتعصب أو أُحسبن على مَن علق على فيديوهاتى وصورى بالسلب أو الإيجاب. ربما لو كنت أجهل معنى السوشيال ميديا أو لم أتعامل معها من قبل أو كذب علىَّ أحدهم وأقنعنى بأن الصور والفيديوهات سيحتفظ بها لنفسه أو يُحملها على «جروب العائلة» مثلًا، فسأخبر نفسى أننى تعلمت درسًا قاسيًا، وأن علىَّ توخى الحذر مستقبلًا. وعلى المحيطين بى- لو كان أمرى يهمهم- أن يخبرونى أن القانون لا يحمى المغفلين من جهة، وأن دنيا النشر والبث على الملأ على السوشيال ميديا مثل شوال البطاطس الذى يُباع جملة «على بعضه»، حيث لا مجال لانتقاء الحبّات الجيدة وترك المعطوبة. وسأخبر نفسى أن علىَّ أن أختار: إما أن أركب الترند وأُحلق فى عالم المشاهدات المليونية والتحوُّل إلى شخصية مؤثرة، (بغض النظر عن ماهية التأثير)، وربما أحقق مكاسب مادية، أو أن أترك الترند لأهله الراغبين فى خوض المضمار حلوه بمره. أمّا أن أرفع راية «ضربنى وبكى وسبقنى واشتكى» فلا مجال له على أثير العنكبوت.