بقلم - أمينة خيري
الفيديوهات لحست دماغ الناس حرفيا، وليس على سبيل المجاز. صحيح أن نسبة كبيرة من الناس مقسومون نصفين، أحدهما صانع للفيديوهات والآخر مشاهد وغارق ومغيب فيها، لكن يبقى الفريقان غارقين فى بحر الفيديوهات الهائج. بالطبع الصورة المرئية المتحركة بالغة الجاذبية والإثارة، لكن ليس كل ما هو جذاب مفيدا، وليس كل ما هو مثير ملائكيا. ما لا ينفع ولا يضر نعتبره تمضية وقت فراغ. لكن ما لا ينفع ويضر ضررا شديدا فهو نقمة ولعنة. وقبل أن يتسع نطاق اللعنات، أهرع بتوضيح المقصود. فالفيديوهات سمة عصر المنصات الرقمية. وتصور أو تخيل أو الترويج أو التفكير أو القول بأن جهة أو جهازا أو دولة ما قادرة على منع وحجب وتوقيف الأثير الرقمى هو ضرب من الخيال، إلا لو أغلقت الدولة أبوابها على نفسها بالضبة والمفتاح.
والترويج لفكرة عقيمة مفادها أن الإنترنت يجب أن يكون مقتصرا على دروس وقصص الأولين، والسؤال عن هل يجوز الزواج بطفلة فى العاشرة من عمرها، وهل الزوج ملزم بالإنفاق على زوجته المريضة حتى تعم الفائدة ضرب من الخبل الذى لا يخلو من هطل. طبيعة الإنترنت وما يحويه من تطبيقات تتنافى وأفكار الإغلاق المغلقة على نفسها، أو تقويم المجتمع بالخرزانة عبر الاستعانة بمن تم تسريحهم وفقدوا عملهم وصاروا عاطلين عن العمل فى بلادهم من أفراد جماعات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. والعاقل يعى أنه كلما استحكمت المتاريس وارتفعت الجدران وضاقت الأجواء، زاد الانفلات وانتشر الجهل، وغابت المعرفة وتقلص الوعى. فى أسبوع واحد فقط تلقيت أسئلة وتعليقات من أصدقاء ومعارف ألخصها لكم: جار إلغاء وزارتى الصحة والتموين وخدماتهما. ابن رئيس سابق سيترشح للرئاسة. وزيرة غائبة تعود أقوى مما كانت. البطيخ والخوخ مسرطنان. الجيش يشترى أسلحة بفلوس العيش. جدرى القرود اشتغالة. إغلاق مدارس الحكومة العام المقبل. وما سبق مجرد مجموعة منتقاة. المصيبة أن من يشاهدون هذه الفيديوهات، ويصدقون ما يرد فيها، ويعتبرونها أمرا واقعا وحقيقة لا ريب فيها، ليسوا البسطاء فقط، بل منهم خريجو جامعات، وبينهم من يشتغل بالصحافة والإعلام. بمعنى آخر، باب النجار ليس مخلعا، بل خربا. والمسألة أبعد بكثير من مجرد معارضة أو تأييد سياسى. الأمر يتعلق بالوعى الشعبى فى التعامل مع محتوى ضخم يمكن اعتباره أحد أكبر مصادر المعلومات لملايين المصريين، إن لم يكن أكبرها، لا سيما أن العديد من المؤسسات الإعلامية التقليدية صار يعتبر السوشيال ميديا مصدرا للأخبار. والمصيبة الأكبر هى أن البعض من صناع الفيديوهات يفتئت على منظومة إعادة تدوير الفيديوهات والتدوينات والتغريدات العامرة بها منصات التواصل الاجتماعى، فتجده يدلو بدلوه فى محيط الفيديوهات بالمزيد من الأخبار غير المحققة والمعلومات المضللة ربما دون علم منه. وعى وثقافة استخدام واستيعاب محتوى الشبكة العنكبوتية ليسا اختيارا، بل ضرورة وفرض عين.