توقيت القاهرة المحلي 06:54:51 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أدرينالين الهرى

  مصر اليوم -

أدرينالين الهرى

بقلم - أمينة خيري

ليس هكذا نحب الرئيس، وليس هكذا نعبر عن حب الوطن، وليس هكذا نطلق الأحكام. ومن يدعى القدرة على اختراق الحواجز والاطلاع على مكنون القلوب ومحتوى العقول فهو كاذب ومدع. ومن يحتكر لنفسه تعريف الوطنية، ويهيمن بفكره على أدوات التعبير وسبل التفكير، فهو مسكين لا يعى من أمره شيئًا.

الوعى الشعبى المصرى أعمق وأذكى وأبعد من محاولات الاستلاب وجهود الاحتكار، وذلك على طرفى نقيض. فبين نقيض الهيمنة على صك الوطنية وإصدار الأحكام الفوقية بأن من لم يصوت فى الانتخابات فهو عاق، ومن أبطل صوته فهو قاصر الفكر، ومن نعت جهود البعض فى رفع نسب المشاركة بالدفع حينًا والحشد حينًا فهو خائن وعميل من جهة، ونقيض صب الغضب على رؤوس من شاركوا، وسب وقذف من فرح ورقص على باب لجنته، واعتبار كل مشارك هو إما عبد من العبيد أو خائن للثورة وعميل للمهانة والاستكانة من جهة أخرى تدور رحى معركة ما بعد الانتخابات الرئاسية الحالية.

لكن الحقيقة هى أن الوطنية ليست حكرًا على توجه دون آخر، والرغبة فى المشاركة فى الاستحاقات الانتخابية لا هى دليل إدانة أو برهان خيانة. وإذا استثنينا من تلك المعركة السخيفة المقيتة جماعات بعينها وأنصارها ومحبيها وداعميها ممن قايضوا الوطن عن حق بفكر جماعة مارقة تبيع الدين أو أموال مجموعات متناثرة هنا وهناك تعمل من أجل هم البلاد وتشتيت العباد، فسيتبقى لدينا ملايين المصريين ممن أعيتهم سنوات التجريف الفكرى وأنهكتهم ثقافة فوضوية ا«أنا ومن بعدى الطوفان».

طوفان التعبير السياسى الذى تموج به مصر هذه الآونة تتضح ملامحه وتبزغ معالمه فى حالات استقطاب غير مسبوقة، عنجهية فكرية غير مرغوبة، ورغبات محمومة فى احتكار الحقيقة والمعرفة. الطريق الأسهل هو تفسير هذا التراشق المحموم بالاتهامات، وتلك السجالات المشتعلة المتهمة لكل طرف بالجهل والغباء، أو السطحية والاستسهال إلى آخر قائمة التراشقات الدائرة رحاها فى ضوء حراك ما بعد الثورات، والفوضى التى تعقب التغيرات السياسية والتقلبات الاجتماعية والعراقيل الاقتصادية. لكن الحقيقة أننا جميعًا فى حاجة ماسة إلى تثقيف سياسى واجتماعى وفكرى وحقوقى وتعبيرى.

التعبير عن الاختلاف أو الخلاف فى الرؤى بحكم التنشئة الاجتماعية والخلفية التعليمية والطبقة الاقتصادية والأولويات الحياتية وغيرها أمر مشروع وطبيعى، بل إن اختفاء الخلاف أمر مناهض للطبيعة البشرية وضار بالحياة السياسية ووائد لجهود التغيير والتحسين والتطوير. لكن المشكلة تكمن فى كيفية التعبير. وأمارات الشعبوية الواضحة فى ادعاء امتلاك المعرفة والرؤى الصحيحة واضحة وضوح الشمس.

شمس مصر التى نأمل أن تتسع للجميع لن تصمد كثيرًا أمام هذا الهرى والهرى المضاد واللذين لا يسفران إلا عن مزيد من الهرى. والهرى لو تعلمون لا يبنى أممًا أو يصلح أحوالاً. صحيح أنه مثير وجذاب حيث السفسطة الكلامية والتراشقات اللفظية تثير أدرينالينًا يدخل كثيرين فى دائرة إدمان السجال لأجل غير مسمى، إلا أن أدرينالين الهرى لن يصلح مشهدنا السياسى، أو يعالج رفضنا الباطن للتعددية، أو يداوى فوضويتنا وعشوائيتنا فى الشارع.

الشارع السياسى- وهو وثيق الصلة بحارات الاقتصاد- يحتاج تدخلات علاجية سريعة، بدءًا ب«مانيا» الدفاع عن الرئيس وكأن كل انتقاد أو اعتراض أو ملحوظات تعكس نكرانًا للجميل أو تنقيبًا عن فوضى أو دعوة لإرهاب، مرورًا بعنجهية نعت مؤيدى للرئيس والدولة والنظام باعتبارهم عبيدًا لا يفقهون أو شعبًا ذليلاً ناسه لا يعلمون، وانتهاء بتعليق كل صغيرة وكبيرة على شماعة الجماعة الشيطانية المسماة بجماعة الإخوان المسلمين. والحقيقة أن هذا التعليق يعطى جماعة «منحلة» من حيث المبادئ والقيم حجمًا أكبر من حجمها، وقيمة أعظم من قيمتها.

صحيح أن طرفى النقيض الثورى والإخوانى باتوا كثيرًا يلتقون على ضفة واحدة، وصحيح أن بين المصريين من مازالوا يصدقون أن الجماعة «بتاعة ربنا» ظُلِمت وأن الجماعة التى كانت ستحكم بشرع الله كانت ستدفع بهم إلى قمة الهرم الاقتصادى، لكن الاستمرار فى اللجوء إلى «الإخوان» باعتبارهم المتهم الرئيسى والمحرك الفعلى مجرد تأجيل لمواجهة النفس وتسويف فى حل المشكلات المتمكنة من المصريين على مر عقود.

التعبير السياسى ثقافة، والمعارضة ثقافة، ودعم النظام ثقافة، والوطنية موديل القرن ال21 وليس القرن ال17 ثقافة، والانتخابات ثقافة، والمشاركة فيها ثقافة. جميعها مثل احترام قواعد المرور (أو انتهاكها)، واحترام حرمة الشارع (أو اغتصابها)، واتباع أصول البيع والشراء وتقديم الخدمات (أو ضرب عرض الحائط بها)، وإظهار الرحمة لكبار السن والرأفة بالأطفال والتفهم والاحترام لأصحاب القدرات الخاصة بالأطفال (أو تجاهل كل ما سبق).

كل ما سبق وغيره ليس مجرد قانون يطبق، لكنه ثقافة تزرعها التربية ويقويها التعليم ويحميها القانون، وثلاثتها فى مصرنا الحبيبة تعانى عوارًا وترزح تحت انتهاك السوقية والفوضوية والعشوائية منذ سنوات كثيرة وصلت أقصاها هذه الأيام.

وهذه دعوة لعلاج ما يمكن علاجه بالتعليم والتربية والتوعية فى ظل دولة القانون فعلاً لا قولاً، فالقول يؤجج أدرينالين الإثارة لكن الفعل يفرض سطوة الاستنارة.

نقلاً عن المصري اليوم

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أدرينالين الهرى أدرينالين الهرى



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon