بقلم - أمينة خيري
أخشى أن يهرب البعض من الغلاء، وتضييق الخناق على الجيوب ومن ثم القلوب، بأول حضن متاح. وأحضان السلفية والجهادية والإخوانية وغيرهم من درجات الإرهاب السياسى الدينى، بمن في ذلك من يرتدون بدلات أنيقة ويتحدثون بعربية مفعمة بالإنجليزية ولا يرتادون سوى المجتمعات المغلقة- وفيرة وجاهزة. وهى ليست وفيرة وجاهزة فقط، لكنها تعمل وتكد وتسعى دون أن تمل أو تفقد الأمل، ولا تنتظر سوى اللحظة أو اللحظات المناسبة لمعاودة الانقضاض. وبينها من لن «يعاود» الانقضاض لأنه منقض بالفعل ومتغلغل بالحجة والبرهان.
وفى لحظات الأزمات والضوائق والمشقات، سواء كانت نفسية أو معيشية أو عاطفية أو اقتصادية، يرتمى المكلوم عند أول حضن يقابله. وما يعجل من هذا الارتماء ظهور من يحاول أن يكحلها فأفقدها بصرها وطعنها في قلبها واستخف بذكائها، ولو كان ذلك بحسن نية. ومع موجة الغلاء الشديدة الغليظة القاسية الأخيرة تواترت قفزات من يحمل ضمادات في ظاهرها تطهير الجرح وتخفيف الألم، فإذ بالضمادة مغموسة في حمض النيتريك أي ماء النار. فالتهب الجرح و«شعوط».
ربما تكون الشعوطة الأبرز هي تلك المتصلة بالدعوة إلى هجر الأورجانيك ووصل غير الأورجانيك مع قليل من البسطرمة. لكنها لم تكن الوحيدة. حاملو الضمادات كثيرون، لكن قليلين فقط مؤهلون لتخفيف الألم. وألف باء التخفيف تكمن في المعلومة وليس «الهرتلة»، وتعتمد على المصارحة دون تهويل أو تهوين، مع قدر غير قليل من «روشتات» واقعية حقيقية من المسؤولين لكيفية مجابهة موجة الغلاء الكبيرة الحالية بأقل أضرار ممكنة، والتى هي بالمناسبة لم تجرح القابعين في قاعدة الهرم الاقتصادى فقط، بل وجهت «بونية» شديدة إلى الطبقة المتوسطة المكلومة أصلًا، وهى الطبقة التي باتت تشترى (ثُمن) بسطرمة منذ سنوات ويبدو أنها ستكتفى بـ(عُشْر) لحين إشعار آخر.
وآخر ما يريد أن يسمعه المكلومون هو الاكتفاء بحقيقة لا جدال فيها ألا وهى أن ترابط وتشابك النظام الاقتصادى العالمى لم ولن يترك دولة واحدة على ظهر الأرض دون أن ينالها من الغلاء جانب أو جوانب. ورغم أنها أمر واقع، إلا أن الاكتفاء بالصولان والجولان حولها له آثار قاتلة. فمن جهة، تم استنفاد هذا العامل على مدار عقود طويلة على غرار قصة «الذئب الذئب» دون وجود الذئب أصلًا. لذلك حين جاء الذئب فعليًا كانت الصرخة التحذيرية قد فقدت جزءًا كبيرًا من مصداقيتها. ومن جهة أخرى، هناك الملايين من العارفين والمطلعين والمتأكدين من أن الموجة الحالية الناجمة من الحرب على أوكرانيا طالت بلدان الأرض، ولكنهم في حاجة ماسة إلى حلول تتعلق بهذا الجزء من الأرض الذي يعيشون فيه. التصريحات الرسمية المتمحورة حول مواجهة جشع التجار يجب أن تكون مصحوبة بترجمة على الأرض مرئية بالعين المجردة وتنعكس فعلًا في حياة الأسر. أحضان الإرهاب السياسى الدينى جاهزة ووثيرة، وهى آخر ما نحتاج إليه الآن.