بقلم - أمينة خيري
أحب نسمات الهواء العليلة كثيراً. هذه النسمات لها مفعول السحر. وما أحلاها حين تهب من قلب مصر وليس عبر حدودها، إذ يكون لديها القدرة على علاج العليل. ونسمة عليلة تمنع عللاً كثيرة. النسمات تأتى فى صورة أكسجين نتنفسه أو كلمات نقرأها أو محتوى نتابعه على الأثير. وأثيرنا فيه نسمة هواء عليلة. أشم رائحة هواء نقى طال انتظاره. صوت مختلف ولا أقول مخالفاً. يتحدث بما يجول فى خواطر ملايين المصريين، لكن دون جعجعة أو صراخ أو عويل كما جرت عادة الشاشات على مدار سنوات.
وحيث إن الجعجعة راحت عليها، والصراخ والعويل القابعين على طرفى نقيض الإعلام هذه الأيام فقدا عناصر الجذب والإثارة، فإن الحديث الهادئ والنقد العاقل والتفنيد المتأنى دون هبد سياسى مدفوع أو رزع معنوى موجه، فإن النسمة العليلة الحالية أثمن من أن تٌثَمَن. واتباعاً لمبدأ «ما يحسد المال إلا أصحابه» أتحسس طريقى وأبذل مجهوداً لأمنع نفسى من الإشارة للنسمة خوفاً من شر حاسد إذا حسد وحتى لا تزول النعمة التى طال انتظارها. انتظرنا طويلاً ما ستؤول إليه قنوات مثل «مكملين» و«الجزيرة مباشر مصر» و«مصر الآن» و«رابعة» وأبناء عمومها من قنوات الصراخ والعويل والتهييج والخيانة «رسمى نظمى فهمى فخرى» التى كانت تبث على مدار ساعات اليوم الـ24. ظل الصراخ يدوى ويسطع حتى كانت نهايتها بأياديها هى نفسها. لم يفلح معها حجب أو منع أو مقاضاة، بل فلح معها ما يعرف بـApoptosis.
وهو برنامج انتحار ذاتى تقوم به بعض الخلايا الحية. قضت على نفسها بنفسها لفرط قبحها وكذبها ومبالغتها. ويخبرنا العلم أن «الانتحار الذاتى» موجود على كل شكل ولون وعلى أطراف النقيض كلها. حتى أولئك الذين يؤمنون أن الصراخ والتهديد أو المبالغة والترهيب من أدوات ضبط زوايا الوطن فى الأوقات الحرجة، عليهم كذلك أن يذيلوا إيمانهم بمعلومة مؤكدة ألا وهى قصر عمر الافتعال والسير عكس نواميس الكون حيث الاختلاف حياة والتطابق غيبوبة.
الغيبوبة الصناعية التى تم إخضاع المنطق لها إلى زوال. وزوالها اليوم أفضل من غد. وضلوع القائمين على أمر الإعلام فى هذه الإزالة سيكون له مردود إيجابى رائع. وسيكتبه التاريخ والجغرافيا والعلوم الإنسانية بحروف من نور. المصريون باختلاف فئاتهم وانتماءاتهم واحتياجاتهم فى حاجة ماسة إلى نسمة هواء عليلة. وكلما زادت النسمات وتواترت أكثر، كلما كان ذلك ضمانة للوطن وسلامة للمواطنين. والنسمات العليلة لا تهدم حتى وإن حملت محتوى لا يعجبنا مرة أو تضمنت ما من شأنه أن يعكر مزاجنا مرات. آثارها الإيجابية أكبر بكثير مما يمكن أن تتسبب فيه من مضايقات سيثبت الوقت أنها للصالح العام. وبالمناسبة أود أن أقدم تحية كبيرة للأستاذ إبراهيم عيسى الذى يطل علينا بنسمة عليلة تهب من قلب الوطن فى «حديث القاهرة».