بقلم - أمينة خيري
هذه محاولة لفك تشابك وحلحلة أزمة وزحزحة جبال فكرية راسخة، والسطور التالية ليست دفاعاً عن هذا أو تبريراً لذاك، بقدر ما هى قراءة فى مشهد بالغ التعقد منذ عقود طويلة، وحقناً للأعصاب واتقاء لشرور الاتهامات التى تلقى جزافاً وتهبط على الرؤوس من حيث لا تحتسب، فإن ما قامت به «بى بى سى» وغيرها كثير من وسائل الإعلام الغربية من نشر وبث «وثائقى» عن «الاختفاء القسرى» و«التعذيب القهرى» و«العنف المادى والمعنوى» الذى بات معروفاً بـ«تقرير زبيدة» ليس إلا حلقة فى سلسلة طويلة من حلقات تدور رحاها منذ سنوات.
سنوات ما بعد ثورة يناير تظل سنوات كاشفة لواقع كنا نجهله، ومكتشفة لتوجهات لم تكن ظاهرة، وهذا الكشف ليس حكراً على وسائل إعلام أجنبية أو إقليمية أو حتى محلية، لكنه ينطبق على الجميع.
جميع ما يكتب عن مصر فى الخارج لا يمكن تصنيفه تحت بند «المؤامرة» أو «الخيانة» أو «العمالة»، لكن لا يجوز أيضاً افتراض حسن النية وارتقاء شأن المهنية وتغليب كفة الحيادية فى كل ما ينشر ويبث، وذلك لأسباب عدة، فنحن لا نعيش فى مجتمع مثالى، ولا تحكمنا قوى ملائكية هبطت علينا من السماء كتلك التى دأبت على الهبوط فى اعتصام رابعة مثلاً!! نعانى مشكلات سياسية واقتصادية واجتماعية عدة؟ نعم، ينتاب بعضنا ضيق وضجر من أساليب إدارة أزمات سياسية أو التعامل مع مظاهر معارضة بطريقة تفاقمها أو تفرد مجالاً للمتربصين بالصيد فى المياه العكرة؟ نعم! لكن هل ما نعيشه -حلوه بمره- يستحق موجات الهبد والرزع المنمقة المنسقة المباشر منها وغير المباشر التى تهب علينا بين الحين والآخر عبر وسائل إعلام غربية واسعة الانتشار وبالغة الأهمية؟ إجابتى هى: لا!
ولا يمكن أبداً إغفال غيبوبتنا الإعلامية التى طالت عقوداً والتى تلقى علينا ظلالها الوخيمة والتى استفحلت فى السنوات القليلة الماضية، فأسلوبنا «الشعبى» فى الخطاب الإعلامى، وثقافتنا الحنجورية فى الدفاع عن توجهنا ووجهة نظرنا، ودقنا العاطفى على أوتار الوطنية والأبوية والحنية وغيرها من السمات المتفردة لدينا غير مفهومة للآخرين. وهى غير مفهومة شكلاً وموضعاً.
بمعنى آخر، فإن أغنياتنا الوطنية مثلاً التى نطرب لها ونرقص على نغماتها حيناً، وتقشعر لها أبداننا أحياناً لا تعنى الكثير للقابعين على الجانب الآخر من العالم، خذ عندك مثلاً أغنية الصاعقة الرائعة التى انتشرت انتشاراً مذهلاً على مدار الأيام القليلة الماضية «قالوا إيه علينا»، أغلب الظن أن الغالبية المطلقة من المصريين -رجالاً ونساءً، صغاراً وكباراً- تقشعر أبدانهم كلما سمعوها، لكن تخيل معى لو تمت ترجمة الأغنية إلى الإنجليزية أو الفرنسية أو الألمانية، هل ستنقل هذه المشاعر، سواء من قبل رجال الصاعقة أو تلك النابعة من قلوب ملايين المصريين، إلى المتلقى الغربى؟! المتلقى الغربى لا يفهم إلا لغته، والمقصود باللغة هنا ليس اللغة الأجنبية، لكنها اللغة والثقافة والعقلية والمنطق.
والمنطق العجيب الذى يجعلنا نعتقد أن يوماً ما سيفهم الآخرون وحدهم هكذا ما اختاره المصريون، وما يكابدونه من مشكلات ومعضلات هو ذاته المنطق الذى يجعل البعض يبادر إلى مواجهة ما يكتب عن مصر فى الإعلام الغربى بطريقة حنجورية أو عنترية بحتة.
«تقرير زبيدة» افتُضِح أمره لأن هناك فى مصر من تقصى الموضوع وتعامل معه بقدر كبير من السرعة والاحترافية، وذلك من مطالبة باعتذار أو إصدار بيان نفى أو ما شابه، لكن مقاطعة وسيلة إعلامية أو حجبها أو فرش الملاءات الإعلامية لها لن يجدى نفعاً، كما أن ترجمة ما نكتب ونقول من منطلق ثقافتنا وقناعاتنا ووطنيتنا لن يحقق المرجو، المرجو هو مخاطبة الغرب باللغة التى يفهمها.
نقلا عن الوطن القاهرية