بقلم - أمينة خيري
رغم نجاة رئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون قبل نحو أسبوعين من تصويت نواب حزبه (المحافظين) على سحب الثقة منه، فإن هذا لا يعنى أبداً أنه فى مأمن أو أنه يحظى بقبول واسع، سواء فى داخل حزبه أو بين البريطانيين. بين أعضاء حزبه، حصل جونسون على دعم 211 نائباً، فى حين طالب 148 نائباً بتنحيته، ليس هذا فقط، بل إن نحو 54 نائباً كتبوا رسائل «سرية» قالوا فيها إنهم لا يدعمونه.
ليس هذا فقط، بل استقال مستشاره للأخلاق سير كريستوفر جيدت قبل يومين، وذلك بعد ما اعترف بأن جونسون ربما خرق القانون الوزارى بسبب مجريات «بارتى جيت».
وكان جونسون قد أقر -بعد طول كر وفر ومماطلة- بأنه مسئول مسئولية كاملة عن الحفلات التى أقيمت فى «داونينج ستريت» (مقر الإقامة الرسمية ومكتب رئيس الوزراء فى منطقة وستمينستر)، وهى الحفلات التى خرقت قواعد الإغلاق الصارمة التى تم الإعلان عنها فى بريطانيا إبان تفشى «كوفيد-19»، التى خضع لها المواطنون بشكل كامل. ومعروف أن جونسون اعترف بمسئوليته، لا بعد ندم أو شعور بالذنب، بل بعد تضييق الخناق عليه وصدور تحقيق داخلى أدانه بشدة.
ورغم أن شدة الإدانة، ثم تعرضه لتصويت لسحب الثقة لم يؤديا إلى استقالته، فإنه فى موقف بالغ الصعوبة، لا سيما أن معدلات شعبيته أبعد ما تكون عن الجيدة أو المُرضية. فالبريطانيون ليسوا سُذجاً أو أغبياء. وأداء حكومته يثير غضب الكثيرين. فمثلاً، وعلى سبيل المثال لا الحصر، نظام التأمين الصحى فى حالة كارثية. عقد كامل من التقشف فى الإنفاق، تبعته أزمة «كوفيد -19» وضعا النظام الصحى بالغ الحيوية فى بريطانيا فى مأزق بالغ الصعوبة، ووقت انتظار سيارة الإسعاف بلغ معدلات غير مسبوقة، كذلك قوائم الانتظار تعانى التضخم حيث الملايين على قوائم الانتظار، كما فاقم عامان من الوباء من طول القوائم بسبب التأجيل.
كما بلغت نسبة التضخم تسعة فى المائة، ومرشحة لترتفع إلى عشرة، مع تفاقم الفقر، حيث تقدر الأرقام عدد مَن يعانون الفقر بنحو 14 مليوناً. (أى شخص يقل دخله الأسبوعى عما يساوى 150 دولاراً يعتبر فقيراً) والحديث يدور حول قيام العديد من الأسر بتقليل عدد وجبات اليوم لترشيد النفقات، لا سيما فى ظل زيادة رهيبة فى أسعار السلع الغذائية وكذلك الوقود.
جانب من الأزمات المتواترة خارج عن إرادة وإدارة رئيس الوزراء، لكن تزامنها وتقلص شعبيته، وأخيراً استقالة سير جيدت تعقد الأمور، هذه الاستقالة هى الثانية لمستشار الأخلاق فى الحكومة البريطانية فى أقل من عامين.
المستشار الأخلاقى السابق سير أليكس آلان استقال فى عام 2020 بعد أن رفض جونسون تقريراً رفعه إليه «آلان» عن واقعة تنمر بطلتها وزيرة الداخلية برتى باتيل. ذكر «آلان» فى تقريره أن الوزيرة قامت بترهيب الموظفين والتنمر عليهم، لكن «جونسون» هب لإنقاذ «باتيل» ودافع عنها واحتفظ بها فى الوزارة. يشار إلى أن «باتيل» هى العقل المدبر وراء فكرة ترحيل طالبى اللجوء الذين يصلون إلى بريطانيا بطرق غير شرعية إلى رواندا.
عموماً، ترفع استقالة سير جيدت سقف التكهنات حول مستقبل «جونسون» من جهة، وتطرح لدينا أسئلة عن مهام المستشار الأخلاقى فى داخل الحكومات ودوره وحياديته. المعروف أن هذه المهمة تعنى تقديم المشورة فى الأمور المتعلقة بمدونة السلوك الوزارى، وهى مهمة ملهمة وتستحق التفكر والتدبر.