بقلم - أمينة خيري
الاحتفاء بالذكرى تبقيها حية فى الأذهان. وحين تتعلق الذكرى بحدث مؤلم يتحول الاحتفاء إلى وسيلة للوقاية وآلة ردع تمنع تكرارها.
هذه الأيام، تحتفى لندن بالذكرى الخامسة لحريق برج «جرينفيل» الشهير فى منطقة «وست كنزينجتون» فى لندن. ففى الساعة الواحدة من صباح يوم 14 يونيو عام 2017 اندلع حريق فى هذا البرج الذى تسكنه غالبية من أصول عربية وإفريقية، واستيقظ قاطنو المنطقة على أصوات سكان البرج يستغيثون من النوافذ وألسنة اللهب تنطلق من كل مكان. تم التوثيق المرئى الوحيد على يد سيدة مصرية من أسوان اسمها رانيا إبراهيم، إذ أمسكت بهاتفها المحمول وصورت ما يجرى عبر البث المباشر على صفحتها على «فيسبوك» طلبًا للاستغاثة وهى تصطحب طفلتيها آملة فى النجاة. وفجأة، انقطع البث وحدث المكروه ولقيت حتفها مع طفلتيها ضمن نحو 80 من سكان البرج. ورغم فداحة ما جرى، إلا أن وقوع الحادث فى شهر رمضان واستيقاظ عدد كبير من سكان البرج ذى الـ 24 طابقًا لتناول السحور ساهم فى تقليل أعداد الضحايا، إذ لاحظوا رائحة الحريق فى مرحلة مبكرة. لكن يظل الحريق هو الأفدح فى بريطانيا، حيث الكوارث والمصائب تحدث ولكن تُخلف أعدادًا قليلة من الضحايا نظرًا لتوافر الاستعدادات واتباع قدر جيد من الحرص وقواعد الوقاية مقارنة بدول أخرى تخلف الكوارث فيها مئات وآلاف الضحايا.
هذا العام، تحتفى بريطانيا بالذكرى الأليمة، بينما ملف التحقيق فيما جرى مازال مفتوحًا. آلاف الصفحات من التحقيقات والاستجوابات تجرى على قدم وساق منذ وقوع الكارثة التى هزت بريطانيا، وتمعن فى تأليب المواجع فى مثل هذه الأيام من كل عام منذ وقعت الكارثة. هل كانت المواد التى استخدمت فى طلاء الواجهة السبب فى الحريق؟ هل اشتعلت النيران فى ثلاجة فى إحدى الشقق ثم امتدت لتأتى على البرج بأكمله؟ هل كان هناك تقصير من الجهات المسؤولة عن قواعد الصحة والسلامة من الحرائق؟.. هذه المرة، حضر دوق كمبريدج الأمير ويليام وزوجته الاحتفالية جنبًا إلى جنب مع أقارب الضحايا والعائلات التى نجت، واصطف على جانبى الطريق إلى الاحتفال نساء ورجال المطافئ الذين قاموا بعمل بطولى لإخماد الحريق فى مهمةٍ استغرقت ساعات طويلة.
واللافت كذلك كان حضور رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماى، التى تعرضت لانتقادات عنيفة وقت اندلع الحريق واتهمها البعض بسوء إدارة الموقف. كما أقيم تأبين متعدد الأديان للضحايا فى مشهد تقشعر له الأبدان.
الـ72 ثانية حدادًا التى وقف خلالها الجمع الحاشد فى صمت تام كانت مشهدًا اقشعرت له الأبدان. المنطقة المحيطة بالبرج المحترق- الذى لم يهدم بل تمت تغطيته - مليئة بالأنصبة التذكارية التى أقامها الأهالى وسكان المنطقة وطلاب المدارس المحيطة الذين فقدوا أصدقاءهم فى تلك الكارثة.
وقعت كارثة مروعة ينبغى أن يتعلم منها الجميع، لكن التعامل مع الكارثة أيضًا يستحق أن نتعلم منه.