بقلم - أمينة خيري
وكأن المنطقة وتخوم المنطقة كانت فى حاجة إلى المزيد من التسخين الإضافى أو التهييج المختلف، فإذا بباكستان «تُجبَر» على الدخول على الخط، ولكن هذا الفصل عبر ما يسمى بـ«جيش العدل»! هذه الجماعة «السنية» المسلحة تتهمها إيران بأنها تحاول مد نفوذها وعملياتها عبر الحدود، وأنها تتلقى دعماً من إسرائيل وأمريكا.
الحركة الدينية المسلحة كانت قد أعلنت فى الماضى مسئوليتها عن عدد من الهجمات على عناصر إيرانية، لكن توقيت الضربة الموجّهة من إيران فى هذا التوقيت، الذى لا يمكن وصفه إلا بشديد الاشتعال بالغ الخطورة، يمثل لغزاً. وكما هو متوقع تماماً، ردت باكستان رداً أولياً عبر شن غارات على مناطق فى محافظة سيستان بلوشستان، حيث ينشط ما يعرف بـ«جيش تحرير بلوشستان»! اسمه جيش، لكنه حركة انفصالية مسلحة دأبت على توجيه ضربات للجيش الباكستانى، وضمن أهدافها المعلنة تأسيس دولة بلوشية مستقلة منفصلة عن باكستان.
وفى تلك الأثناء، كانت إيران تصوب ضربات فى العراق قالت إنها تستهدف «الموساد» الإسرائيلى، وفى سوريا، تحديداً فى إدلب «رداً على ضربات قامت بها جماعات إرهابية مسلحة»، وفى الوقت نفسه، كان «حزب الله» فى لبنان يستهدف تجمعات لجنود إسرائيليين على مقربة من حدود لبنان الجنوبية، وبالطبع إسرائيل تشن ضربات مكثفة على مواقع لـ«حزب الله»، اللافت أن المعركة الأصلية والقضية الفعلية والمصيبة الكارثية «محلك سر». صحيح أن أعداد القتلى أقل من شهرين مضيا، ومعدل الدك أهدأ مما سبق، لكن أشباح مجاعة وأوبئة وخراب لم تعد تلوح فى أفق غزة، ولكنها باتت أقرب ما تكون إلى الواقع.
الواقع الحالى يخبرنا بأن الحكاية لم تعد مجرد صراعات بين دول، أو منافسات بين منظومات اقتصادية وغيرها، أو حتى حروب بين جيوش وطنية، ولكنها جزء من الحكاية والمصير يقع فى أيدى حركات وجماعات بعضها صار أشبه بدويلات فى داخل الدول.
جميل جداً، بل رائع وعظيم، ما فعلته جنوب أفريقيا من تقدم بدعوى ضد إسرائيل تتهمها بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية أمام محكمة العدل الدولية. وجميل جداً هذا التفكير الشعبى الذى قرر بعضه أن يرفع راية «المقاطعة» لمحلات بعينها «نصرة لأهلنا فى غزة». صحيح أن المحلات يعمل فيها مصريون، وصحيح أن الجانب الأكبر من المكونات مصرية المنشأ، لكن ربما تكمن الغاية فى الرسالة.
وجميل جداً هذه الصحوة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية التى نسيها العالم أو تناساها، لكن هل سيؤدى توسيع الصراع فى المنطقة المشتعلة الملتهبة المحتقنة إلى حل فعلى للقضية التى أوشكت أن تطفئ شمعتها الـ76؟ وهل تخمة المنطقة بكم مذهل من الجماعات والحركات والمنظمات المسلحة، بالإضافة إلى المجموعات متعددة الجنسيات عابرة الحدود، ستيسر عملية هضم الاحتلال وتحرير الأوطان واستعادة الحقوق؟ وحتى لو فعلت، وهذا أمر أقرب ما يكون إلى المستحيل، ما مصير منطقة مليئة بالتشكيلات المسلحة التى تضع نفسها، أو تم دفعها لتكون على قدم المساواة مع الجيوش الوطنية؟
حمى الله جيش مصر الوطنى العظيم، وأدامه ذخراً وحماية وأمناً لنا.
ونأمل أن يكتمل هذا الأمن وتلك الحماية عبر رؤية للخروج من الأوضاع الاقتصادية الصعبة بأقل خسائر ممكنة. ليس صحيحاً أن المواطن لا يهمه إلا سعر كيلو البصل أو معدل الزيادة فى أسعار الخضراوات فقط. هذه همومه اليومية التى تفرض نفسها عليه. المواطن بطل المشهد. يعلم أن جزءاً من الأوضاع الصعبة يعود إلى أسباب وعوامل خارجية. ويعى أن فاتورة الإصلاح ليست مجانية. ويدرك أن تراكمات عقود لا يتم حلها بين خطة خمسية وضحاها. وقد أبدى - وما زال- صبراً وجلداً وتحملاً على مدار عقود طويلة. وحين لاحت فى الأفق أخطار جماعات إرهابية مجرمة تقدم له وعوداً كاذبة مغلفة بورق هدايا «قال الله وقال الرسول»، أدرك ما يتعرض له، ونبذها وخرج عليها وأسقطها.
هذا المواطن يستحق شرحاً وتصوراً فعلياً قابلاً للتنفيذ. جميل أن يعلن مسئول أنه متفائل بالمستقبل، ورائع أن يحدثنا محللون عن أن القادم أفضل، لكن حديث الشارع يطلب من المسئول الإفصاح عن سبب تفاؤله، ومن المحللين تحليل المعطيات التى تجعل من القادم أفضل.
كلمة أخيرة، طلاق ياسمين عبدالعزيز وأحمد العوضى حديث القاصى والدانى، ومحتوى الحديث يستحق تدخلات من علماء الطب النفسى وعلم النفس والاجتماع السياسى. هذا الحديث فاق بمراحل الاهتمام بالعلاج التجريبى الجديد لسرطان الدم الذى يتلقاه أطفال فى بريطانيا باعتباره «أحن» من العلاج الكيميائى، ومن شأنه -حال ثبوت فاعليته- أن يشكل ثورة فى علاج هذا المرض الخطير.