بقلم - أمينة خيري
عانينا لسنوات طويلة من «الخابور» الاستراتيجى. مِلنَا وعشقنا وأدمنا «الخابور» حلو اللسان أو سليطه. وحاز عدد من هؤلاء «الخوابير» شهرة منقطعة النظير حققتها لهم شاشات التليفزيون عبر برامج التوك شو، وذلك لتمتعهم بقدرة فائقة على الحكى بطريقة شيقة، أو الدق على أوتار بالغة الحساسية لدى المتلقى.
بالطبع هناك خبراء «بحق وحقيقى» أفادوا الملايين من المتابعين عبر إلمام بحقائق وقدرة على التحليل، إلا أن ظاهرة «الخابور» كانت أقوى وأضل سبيلا، حتى إنها امتدت من السياسة إلى الاقتصاد وما يسمى «التنمية البشرية» التى أصبح الجميع «مدربين معتمدين» فيها، ولديهم أتباع ومريدون يصدقون كل ما ينطقون به ولو كان هزلا وخرافة.
ولم تسلم الشؤون الدينية فى فترات الفوضى غير الخلاقة من الظاهرة، فرأينا طبيبا يتحول داعية ويبذل الجهد الجهيد لتركيب الآيات القرآنية والأحاديث النبوية على المبتكرات الطبية والكيميائية والفيزيائية والهندسية، فبدت الأمور كأن الله سبحانه وتعالى اختصنا بالتفسير والتحليل وتركيب المبتكرات على الدين، واختص الآخرين بالبحث والابتكار.
وشهدنا، فى سنوات سابقة، صعود سباك أو نجار أو محاسب أو مندوب مبيعات المنبر ليفتى فى أمور الدين، ونحمد الله كثيرا على نعمة التنقيح والتطهير التى بدأتها المؤسسات الدينية الرسمية فى السنوات القليلة الأخيرة للتخلص من الخوابير الدينيين الذين أفتوا فأخطأوا وكان ما كان.
وفى الأسابيع القليلة الماضية، تابعنا أخبار «خابور الكركمين» والذى ملأ الأثير كركمين على مدار سنوات طويلة. وما «خابور الكركمين»- الذى مازالت فقراته تبث فى قنوات عدة ليلا نهارا بالمناسبة بالإضافة بالطبع إلى المخزون الاستراتيجى المتاح بدقة زر على أثير الإنترنت و«يوتيوب» وغيرها- إلا فيض من بحر خوابير التخسيس وتدبيس المعدة بتناول حبة واحدة وإعادة نمو الشعر بخليط سحرى وتحقيق الفحولة الهادرة والتخلص من الدهون الغائرة والحذاء معالج آلام المفاصل والدهان الشافى من السكر والخوابير فى كل صوب وحدب.
وقبل ساعات، طالعنا خبر القبض على «خابورة» تخسيس دأبت على الظهور فى برامج تليفزيونية على قنوات تليفزيونية مهمة وليست قنوات «تحت بئر السلم» القائمة على «تبرعوا لبناء مسجد فى قرية كذا التى يتضور أهلها فقرا، لكن لا ينقصهم إلا مسجد جديد» أو «اتصلوا بالخابورة الروحانية الشيخة فلانة التى تجلب الحبيب فى ست ساعات وترد المطلقة فى أربع».
بالطبع اختلاط حابل الإعلام بنابل الإعلان فيه سم قاتل، لكن طواقم الإعداد التليفزيونى كذلك عليها واجب مهنى وأخلاقى من شأنه أن يقينا ولو جانبا من شرور الخوابير. فدال نقطة «الدكتور» تحتم الحصول على شهادة دكتوراة حقيقية وليس «بكالوريوس» أو حتى «ماجستير». و«متخصص التغذية»، لا بد أن يكون دارسا ومكللا الدراسة بخبرة واسعة. كما أن الطبيب البشرى لا يمكنه أن يفتى فى أمور الدين، والعكس صحيح، ففى النهاية لا يصح إلا الصحيح.