بقلم - أمينة خيري
ما يجرى هو «طوفان» كشف الأقنعة. كل الأقنعة لم تسقط، بل أزالها أغلب الأطراف لأسباب كثيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر أن الوضع والظرف والوقت لا تسمح برفاهية الأقنعة!. الجانب الأكبر من الدول الغربية متأرجح بين صدمة عملية حماس يوم 7 الجارى، وبشاعة ما تفعله إسرائيل فى أعقاب العملية.
ورغم ذلك، فإن أقنعة الحقوق والحريات والمدنيين العزل وقوانين الحرب والقانون الإنسانى وقواعد الحرب إلى آخر القائمة لا مجال لطرحها ومناقشتها وبحثها والمطالبة بها لأن الوقت والجهد منصبان على مسائل أخرى، منها على سبيل المثال لا الحصر سلامة ومصير الرعايا الأجانب المحتجزين لدى حماس، و- إلى حد ما- حاملى الجنسيات المزدوجة من الفلسطينيين، من باب «ما هم محسوبين علينا (على هذه الدول) برضه».
الأقنعة التى تمت إزالتها- بغرض سهولة الحركة- لا تقتصر على موضوع المحتجزين فقط، بل تمتد إلى بقية تفاصيل التعامل مع ما يجرى. وما جرى من رد الرئيس الأمريكى جو بايدن بالإيجاب على سؤال وجهه إليه أحد المراسلين- أثناء صعوده الطائرة يوم الجمعة، حول ما إذا كان ينبغى لإسرائيل تأخير العملية البرية فى قطاع غزة حتى يتمكن المزيد من «الرهائن» من المغادرة.
وهو ما أثار غضبًا وصدمة بين كثيرين، حيث تم تفسير الرد بالإيجاب بأن الضغط أو التفاوض الغربى الممارس من أجل تأجيل الاجتياح البرى غرضه الرئيسى تحرير المحتجزين، ثم فلتفعل القوات الإسرائيلية ما يحلو لها، ثم «توضيح» البيت الأبيض بأن الرئيس «كان بعيدًا، ولم يسمع السؤال كاملًا، وأن السؤال بدا وكأنه: هل ترغب فى رؤية المزيد من الرهائن يُطلق سراحهم؟».
جميعها أمور لا تخلو من صراحة، سمة المرحلة. يمكن القول إن الميزة الوحيدة فى المرحلة الحالية هى أنه لا مجال لتزيين أو تجميل أو قناع. سقوط الأقنعة ليس حكرًا على أحد فى هذا «الطوفان». ميزة لأن «الصراحة» وعدم المواربة والنأى بالتصريحات والبيانات عن المجاملة أو استشعار الحرج أمور بالغة الأهمية للشعوب أكثر من القيادات.
القيادات أعلم الناس بالحقائق، لكن الشعوب كثيرًا ما يجرى توجيه رأيها العام، والتدخل فى قناعاتها وأيديولوجياتها وقيمها عبر أدوات ووسائل متعددة، تبدأ بخطاب سياسى وإعلامى مؤدلج، وتمر بمنصات الـ«سوشيال ميديا» وعصر هيمنة الإنترنت، ويبقى القوس مفتوحًا إلى ما لا نهاية. نهاية الوضع الحالى لا تلوح فى أفق قريب، لكن ما يلوح هو إعادة ترتيب أوراق على كل المستويات، على مستوى الدولة الوطنية، وإقليميًّا، ودوليًّا.
هذا الترتيب يدفع ثمنه آلاف الفلسطينيين الذين يرتقون على مدار الساعة، ويتم قصفهم ودَكّ بيوتهم، ويعيش مَن يتبقى منهم بصدمات نفسية وعقلية غير قابلة للعلاج. كل ما أتمناه بصفة شخصية هو أن نعبر عن غضبنا، مع اتباع مبدأ ترشيد الحنجورية واستثمار ما لدينا من طاقة للترتيب لما هو قادم فعليًّا لا افتراضيًّا أو حنجوريًّا.