بقلم - أمينة خيري
كما أن التجاهل الزائد يؤدى إلى نتائج كارثية، فإن الاهتمام المفرط قد ينتج عنه آثار جانبية. وكما أن شعور النظام السياسى، فى عهود سابقة، بأنه أعلى بكثير وأقوى بمراحل من أن يلتفت إلى ما يقال فى الشارع من معلومات لا أساس لها من الصحة، أو ما يروج له خلف أبواب مغلقة من أكاذيب، فإن الإغراق فى الاهتمام بهذه المفبركات وإيلاءها كل أنواع الرعاية من أجل التفنيد والكشف أيضًا أمر بالغ الخطورة.
وتكمن الخطورة فى قراءة ما لا يقل عن 15 خبرًا كاذبًا فى صحف ومواقع وشرائط خبرية وتنويهات تليفزيونية بصفة يومية، وذلك من أجل نفيها. والحقيقة أن الغالبية من هذه الأخبار الكاذبة لم يسمع عنها كثيرون إلا عبر وسائل الإعلام.
وسائل الإعلام باتت تخصص جانبًا غير قليل من الوقت والجهد للبحث عن الشائعات والتنقيب عما يروج من أكاذيب مصطنعة خصيصًا لضرب الدولة المصرية وإفقاد ثقة المواطن فى القيادة. والحقيقة أن هذا الوقت والجهد، وبالطبع المال المنفق، الكثير منه إهدار.
والإهدار لا يعنى إيقاف عملية تتبع الشائعات ومصادرها ومحركاتها، لكن التوازن منعًا للخلل واتقاء لشرور النيران الصديقة. وكم من شائعة يتم بثها عبر صفحة أحدهم على فيسبوك أو خبر عار تمامًا من الصحة يجرى غرسه فى تغريدة على «تويتر» تُكتَب له الشهرة ويكون نصيبه الانتشار واللمعان لمجرد أننا وضعناه تحت المجهر، ومنحناه هواء الأهمية، وأعطيناه قبلة الحياة والاستمرار، وجعلناه نجمًا بالتركيز والإشهار.
وقد أشهرت مواقع وأقسام صحفية عدة نفسها خلال الأشهر القليلة الماضية باعتبارها مواقع وأقساما متخصصة فى كشف الحقائق، وتفنيد الأكاذيب، ودحض الشائعات، ومحاربة المفبركات، وربما أيضًا تصليح البوتاجازات. ودون أدنى مبالغة أو أى مواربة أقول، وبضمير مرتاح، إن هذه الجهود المبذولة «قِلتها أفضل» والترشيد فيها أوقع. بل إن أفضل ما حققه أصحاب النفوس المعطوبة والشاشات الإخوانية الموجهة ضد المصريين على طول الخط هو جذبنا والدفع بنا إلى مستنقع يهدر الجهد ويشغل الاهتمام ويملأ فراغ المعلومات بأكاذيب وشائعات لم يسمع عنها كثيرون. كثيرون باتوا يجدون فى فقرات الرد على الشائعات وأقسام تفنيد الأكاذيب مادة ترفيهية مسلية ما حول بعضها إلى «بيزنيس»، وهى مادة أشبه بصفحات الحوادث الورقية فى عقود سابقة وقت كانت الصفحات الأكثر قراءة واهتمامًا من قبل الملايين. كان الملايين حينئذ يبحثون عن إثارة فى أسلوب الكتابة، وربما قليلًا من تلميحات جنسية «يُتَبل» بها الصحفى نصه المكتوب «حيث وقفت فى الشرفة بقميص نوم أحمر كاشف، فما كان من جارها إلا أن فقد أعصابه وباغتها بالهجوم». لكن قبل أن «ينتقل كل من اللواء فلان والعقيد علان لمكان الحادث»، يكون القارئ قد ملأ فراغه. وفى الشائعات المتداولة حاليًا، لا يهم المواطن كثيرًا تفنيدها أو معرفة أصلها، لكنه يكتفى بالإثارة المتوفرة فيها. علينا ترشيد الرد على الشائعات وإغلاق باب تنجيمها والترويج لها.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع