توقيت القاهرة المحلي 11:02:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تعطيل الإنجاب مذموم..!

  مصر اليوم -

تعطيل الإنجاب مذموم

بقلم - أمينة خيري

«عم سعيد» اتخذ قرارًا بأن ينجب من الأبناء خمسة ومن البنات ثلاثًا. قراره لم يكن فى تحديد نوع الأجنة، أو حتى عددهم. لكنه كان قرارًا بأن تظل «الولية» تنجب إلى أن ينضُب موطِنُ الإنجاب.

وهذا شىء طبيعى. فبالإضافة لأن العيل يأتى برزقه، فإن التدخل فى مشيئة الله حرام حرام!! ولأن «عم سعيد» لم يجد ما يطعم به أبناءه وبناته فى «بنى سويف» فقد نزح إلى القاهرة قبل سنوات، ومع بلوغ كل ابن من أبنائه سن العاشرة أو الـ11 كان يتم إرساله ليستقر فى القاهرة.

وبين «صبى لحام» و«مُوصّل ملابس لدى المكوجى» و«سائق توك توك» وغيرهم، استقر «عم سعيد» خفيرًا فى فيلّا فى منطقة التجمع، واستأجر غرفة فى «عزبة الهجانة» لينام فيها الأبناء. ورغم أنه يعرف أن منهم من يمضى ليلته خارج الغرفة، لكنه يخلى مسؤوليته تمامًا بقوله: «أنا عملت اللى عليا. جبتهم للدنيا وأوجدت لهم فرصة عمل لمساعدة الأسرة».

بقية الأسرة فى بنى سويف تتلخص فى البنات اللاتى تم تزويج اثنتين منهن عرفيًا لحين بلوغهما السن القانونية، وتنتظر الثالثة الفرصة المواتية ليتم سترها. صحيح أن الابنة الكبرى وعمرها 15 عامًا ومعها طفل والثانى فى الطريق- كثيرًا ما تترك بيت زوجها وتعود إلى بيت أبيها، لكنه ينهرها بأنه زوجها؛ ليخفف عبئه لا ليثقله.

غاية القول هو أن «عم سعيد» يطلب العون والمساعدة من كل من يزور سكان الفيلا التى يحرسها. واستراتيجيته فى طلب العون تقوم على مدرستين فكريتين ثابتتين: الأولى الشحتفة والمسكنة حيث كوم اللحم المعرض للجوع والمرض.

والثانية قائمة على نظرة عميقة ذات مغزى مريع، ألا وهى «أعطنى مما أعطاك الله. ألا تستحى؟! سيارة وفيلا وملابس نظيفة وأنا فى حالة يرثى لها. ألا تخشى الحسد وتمنى زوال النعمة من الغير؟! قليل من العدالة!».

الحديث مع «عم سعيد» عن العدالة من وجهة النظر الأخرى أشبه بالحديث عن نظريتى النسبية الخاصة والعامة فى علم الفيزياء الحديثة.

طيب يا عم سعيد، أنا أيضًا اتخذت قرارى بالاكتفاء بطفلين حتى أتمكن من تربيتهما وتعليمهما بشكل يضمن لهما فرصًا مستقبلية أفضل.

وجانب من قرارى يعود أيضًا إلى حسابات منطقية خاصة بالصحة التى حتمًا ستعتل بالتشبه بالأرانب، والاقتصاد الذى سيتهاوى بكل تأكيد مع زيادة عدد المنتفعين من الراتب نفسه، والحالة النفسية والعصبية المعرضة للانفجار أو الانهيار مع تزايد أعداد الأبناء والبنات دون ضابط منطقى أو رابط عقلانى.

وزاد طين رفض استيعاب الكلام بلة الإشارة إلى مفهوم الضرائب المحصلة من المواطنين. يا عم سعيد، المواطنون الذين تُخصم من رواتبهم ودخولهم نسب مخصصة للضرائب.

هنا استيقظت قرون الاستشعار لدى «عم سعيد» وقال منتشيًا: «الغلابة لا ينتفعون من هذه الضرائب. أنا وعيالى والولية لنا حق فى هذه الضرائب. أليست هذه العدالة الاجتماعية بتاعة ثورة يناير؟».

ولأن مفهوم العدالة الاجتماعية الذى روّج له البعض فى السنوات القليلة الماضية، باعتباره اليد التى تمتد إلى جيب المقتدر لتأخذ ما فيها، وتضعه فى جيب غير المقتدر مفهوم معطوب مشروخ، فقد ذكرت له أن العدالة الاجتماعية تعمد إلى تضييق الفوارق الشاسعة بين الطبقات، ولكن هذا لا يتم عبر إفقار المقتدر من أجل إثراء الفقير، ولا تعتمد على إطلاق يد غير المقتدر لينجب دون حساب، على اعتبار أن العدالة تحتم على المقتدر أن يمول عمليات الإنجاب.

وحين شرحت لـ«عم سعيد» أننى أتوقع أن الجانب الأكبر من الضرائب التى تخصم من راتبى يذهب لتمويل قطاعات مثل الشرطة لتحمينى وتنظم مرورى وتطبق القوانين، والإطفاء والصرف الصحى وغيرها، وبناء وتحسين وصيانة الطرقات حفاظًا على أرواح المواطنين، وتمويل برامج التأمين الصحى وغيرها، لكن الواقع يشير إلى أن الجانب الأكبر يذهب لتمويل أسرة «عم سعيد» الممتدة، والتى يعمل أفرادها فى مجالات عمل هامشية غير مدرجة فى الاقتصاد الرسمى، ولا تنتفع بها الدولة لأنها غير قانونية ولا تخصم منها الضرائب... إلخ، نظر إلىّ تلك النظرة المعروفة والتى اكتسبت شعار «ما حساش بالناس»!

وكما جرت العادة فى مصر التى باتت سلفية المظهر والمتشعلقة فى تلابيب الدق على أوتار الذنب الدينى، وتصنيف البشر، باعتبارهم مؤمنين بجلابية ونقاب، وجزاك الله خيرا، وأحبك فى الله، فى مقابل المارقين، فقد دعانى «عم سعيد» للاستماع إلى مقطع للشيخ فلانى بن فلان والذى أخذ يصرخ فيه قائلاً مهددًا منذرًا: «إذا كان الدافع لتأجيل الإنجاب هو الخوف على رزق العيال ومعيشتهم، فإن ذلك يمثل اهتزازًا حقيقيا لعقيدتنا بقضاء الله وقدره، وإيماننا بسعة رزق الله وتيسير أمور الساعين فى الأرض. هذا تمرد وعصيان لإرادة الله، وتقاعس عن الإنتاج والعمل وإعمار الأرض بالعيال، وهو مذموووووم وممنوووووع».

وبالطبع كان لا بد للحديث أن ينتهى ولليل ألا ينجلى..!

نقلا عن المصري اليوم

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تعطيل الإنجاب مذموم تعطيل الإنجاب مذموم



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث

GMT 04:47 2021 السبت ,02 تشرين الأول / أكتوبر

الفنان محمد فؤاد يطرح فيديو كليب «سلام»
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon