بقلم - أمينة خيري
ما زالت قضية مقتل خاشقجى تمدنا بقدر هائل من الدروس والعبر والحكم اليومية، فمن تقليص وتهميش يصلان حد التعامى عن القضية برمتها، إلى التأمل معها بحذر بالغ وحرص طاغ، وأخيراً حيث أقصى درجات الهبد وأعنف فئات الرزع لتحقيق مصلحة هنا أو تمرير فكرة هناك.
وهناك، حيث الصحافة الغربية بـ«موضوعيتها» القصوى ومهنيتها الكبرى هبد لا يلين ودق على أوتار الإنسانية والحقوقية، ومنها إلى الجماعة الـ«كيوت» السلمية الوسطية التى ضيعت مصر فرصتها «الديمقراطية» فى الحكم والتخفيف من حدة الإسلام غير الوسطى غير الـ«كيوت» لا يفتر.
فترت حدة الإدارة الأمريكية فى الدق على الأوتار السعودية، لكن أوركسترا الضرب فى الإدارة الأمريكية عبر قضية مقتل خاشقجى لم تفتر بل استعرت واضطرمت فيها نيران الخلافات والاختلافات الأمريكية الداخلية، هذه الأوركسترا المستعرة أمريكياً تسمع صدى صوتها فى بريطانيا، وعلى الرغم من اختلاف طبيعة الخلافات السياسية الداخلية، إلا أن الأصداء تتطابق إلى درجة الاستنساخ، كما أن المصالح تتصالح كما تشير المقولة المأثورة.
وقد آثرت بالطبع الماكينة الإعلامية القطرية بأذرعها المختلفة المتناثرة هناك فى بريطانيا والموجودة هنا فى المنطقة العربية، أن تتحول بوقاً منادياً بالاقتصاص للأصوات الحرة الشريفة المعارضة التى يتم إسكاتها من قبل الأنظمة «الطاغية» «الضارية».
ومن نكد الدنيا على المتابع للساحة الصحفية فى ظل تناولها لخاشقجى أن يرى فى هذا التناول دروساً لما لا ينبغى أن يكون وعظات لما درسنا وتعلمنا النقيض منه، فأن يتم استخدام «جريمة قتل» استخداماً سياسياً واقتصادياً بعد صبغه بصبغة حقوقية ورتوش إنسانية، فهذا لا يمت لقواعد العمل الإعلامى بصلة من قريب أو بعيد، كما أن تجاهل القضية برمتها، أو التعامل معها من منظور المدافع أو المبرر لا يمت بصلة أيضاً للمراجع الإعلامية ومواثيق الشرف الصحفية.
صحافة قطر هذه الأيام هى صدى الصوت للصحافة الأمريكية المناوئة لترامب، فترامب يسعى جاهداً لحماية رجله المدلل فى السعودية، وأن «العمل على إنقاذ الأنظمة العربية الاستبدادية ليس فى الحقيقة إلا عملاً على إنقاذ المصالح الغربية بالدرجة الأولى»، وأن «صفقات التسليح المليارية الضخمة كافية بأن تسكت كل أنواع الأصوات المطالبة باحترام حقوق الإنسان ومحاسبة القتلة والمجرمين مهما بلغت وحشية جرائمه»!! العجيب والغريب والمريب فى هذا أن الإعلام القطرى فى إطار دقه على أوتار صفقات التسليح المليارية لم ير صفقات التسليح القطرية المتراوحة بين صفقة عسكرية قطرية مع أمريكا فى يونيو 2017 قيمتها 12 مليار دولار، وأخرى مع إيطاليا بقيمة خمسة مليارات يورو، وثالثة مع ألمانيا بأربعة مليارات يورو، ورابعة مع بريطانيا وهلم جرا.
ويجرى الإعلام بضفتيه المناوئة والمخادنة وما بينهما من محاولات عدم الميل يميناً أو الانجراف يساراً ليلقنا الدروس. فالإعلام المهنى المحايد فى تعريفات القرن الـ21 فى ظل مفهوم الشرق الأوسط القريب، هو ذلك الذى يناسب أهواءنا ويعضد توجهاتنا ويريح أعصابنا ويحقق مصلحتنا وبالمرة يسير وفق أيديولوجياتنا، أما ذلك الإعلام المهترئ المتحيز، فهو الذى يقول ما لا نحب، ويتحدث بما نكره، ويرفع رايات ويروج لشعارات تضايقنا وتؤرق مضاجعنا.
وتكمن الفروق الوحيدة فى درجة «الشياكة»، أو بمعنى أدق فى قدرة هذه المنصة الإعلامية أو تلك فى تزيين أهوائها وتجميل توجهاتها بأدوات تجميل تحمل ماركة المهنية وتفتئت على إرث الموضوعية، منصات أخرى تفعل ذلك، ولكن بطريقة سوقية وأساليب مزرية تخاصمها الأناقة وتجانبها اللياقة.
ومجدداً وللعلم والإحاطة، فإن متابعة وانتقاد والخروج بالعبر والحكم من قضية خاشقجى عبر التناول الإعلامى، لا يعنى بأى حال من الأحوال التقليل مما حدث، أو التغاضى عن أن شخص قتل، لكنها محاولة للفهم ومقاربة للعظة.
نقلا عن الوطن
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع