بقلم : أمينة خيرى
إن كنت جالساً على يمين النظام، فإن كل دول العالم تغرق فى «شبرين ميه»، وأحياناً تبادر بالغرق فى شبر واحد، وإن كنت قابعاً على يساره، فإن فساد المحليات طاغ، وفشل الوزارات بائن، ومشروعات الدولة الكبرى ما هى إلا حلم ضائع، والدولة فاشلة، والنظام ظالم، ومصر تترنح، والكوكب يبكى بحوراً على التجمع الذى غرق وأكتوبر التى غاصت والمهندسين والوراق وإمبابة إلى جزر منبعجة.
وقبل الانبعاج الكامل أو الرضا الشامل بما جرى فى مصر جراء الظروف الجوية القاسية التى باغتتنا رياحاً عاتية وأمطاراً هادرة وطيناً وزلطاً وأحشاء القمامة طائرة، تجدر الإشارة إلى «مو صلاح» «محبوب المصريين» و«دارلينج الإنجليز» ومصدر انبهار العالم أجمع، الذى وجد نفسه، أو بالأحرى أوجده المرابطون على طرفى استاد السياسة فى مصر فى موقف شبيه، فحين فوجئ ثوار أحرار هنكمل المشوار ومعهم طرف النقيض الآخر من إخوان وداعميهم ومش إخوان بس بيحترموهم بصلاح يجرى تكريمه وتهنئته من قبل «النظام الذى يعتقل الثوار ويسحل الشرفاء ويقهر الأحرار» لم يألوا جهداً فى السخرية من اللاعب النجم والتنكيت عليه وعلى قاعدة معجبيه من «عبيد البيادة» و«عشاق العسكر».
فى الوقت نفسه، استيقظ الإخوان وأبناء عمومهم على هذه المحبة الجارفة للنجم، التى تحوى تكريماً رسمياً تارة، وتهنئة رئاسية تارة، ما يعنى أن الرجل بات جزءاً من النظام، فهاتك يا هبد ورزع. الهبد والرزع الدائرة رحاهما فى أرجاء المحروسة على مدار السنوات السبع الماضية باتا غير محتملين، اهتمام المواطنين بالسياسة أمر جميل ومحمود، لكن تسييس الطماطم وتحميل كرة القدم ما لا تحتمل وتعبئة الأمطار والرعد والبرق بمحصلة ثقافية هى مزيج من آراء عنكبوتية مصدرها فيسبوك ومواقف عنترية نابعة من شاشات التوك شو الزاعقة، وصبغ المحصلة النهائية بلون من الفهلوة المصرية المعتادة أو ادعاء المعرفة بكل شىء وأى شىء أمور سامة.
سموم التسييس يجب أن تتوقف قليلاً لتسأل: هل ما تعرضت له مناطق عدة فى مصر من غرق وخسائر باهظة باعتباره نتيجة فشل الحكومة الحالية وتقاعس الوزراء وفساد المحليات إلخ؟ أم أنه نتيجة سوء تخطيط وفساد تنظيم وانعدام مراقبة فى نظام الرئيس الأسبق مبارك، ومعها حقيقة واقعة لا ريب فيها ألا وهى شح -وربما انعدام الضمير الجمعى- لدى قطاعات عريضة من الشعب، تجاهل ما يموج به المجتمع المصرى هذه الآونة لم يعد ممكناً، وتصور بأن ما تحتاجه مصر هو مشروعات كبرى وبنى تحتية عظمى فقط تصور غير مكتمل، فمن جهة، ونتيجة عقود من إهمال التربية والأخلاق والتعليم وترك العشوائيات بأخلاقها تطغى على حساب الطبقة المتوسطة جعل المجتمع فى جوانب كثيرة منه مجتمعاً بلا ضمير.
ومن جهة أخرى، حين اعتنق المصريون السياسة فى أعقاب ثورة يناير كان اعتناقهم أقرب ما يكون إلى هسهس التديين الذى ضربهم، اعتنقوها وكأنها قوام حياتهم اليومية، وتجادلوا حولها وكأنهم علماء علوم سياسية، وتناحروا بسببها وكأن كلاً منهم يمتلك الحقيقة وحده.
غرق التجمع ليس غرقاً جميلاً محبباً إلى القلب من باب أننا مؤيدون للرئيس وداعمون للوزراء ومقدرون لحرب مصر ضد الإرهاب، كما أنه ليس غرقاً يعكس فساد النظام وتقاعس الوزراء و«رايحة بينا على فين يا مصر؟!»، هو وغيره غرق ناجم عن فساد ذمم وضمائر جمعى يلتحف تارة بالدين وأخرى بالقضاء والقدر وثالثة بنظام عمل قائم على مبدأ «كلشنكان» أى «طلسقة» أى «كلفتة»، والفصل التام بين موت الضمير فى العمل وانتعاش الدين فى الطقوس والمظهر.
مظاهر ضمائرنا الميتة فى كل القطاعات واضحة وضوح الشمس، فالمهندس الذى لا يلتزم بمعايير البناء أو مواصفات الرصف، هو شقيق ضابط المرور الذى لا يطبق قانون المرور إلا إذا صدرت أوامر بحملة تدوم يومين لضبط الشارع، وهو ابن عم المدرس الممتنع عن الشرح فى الفصل، وهو نسيب وقريب كل من سائق التاكسى الذى لا يشغل العداد، وشيخ الجامع الذى يزعق ويصيح ويلف ويدور حول صباع رجل المرأة الصغير، وموظف الحكومة فاتح درج مكتبه الأول للرشوة فى حين تقبع سجادة الصلاة فى الدرج الثانى، هلم جرا.
وجميعهم احترف تسييس تفاصيل الحياة فى مصر، مع الجلوس يمين الملعب فى حال أحبوا الرئيس والحكومة، والتمركز يساراً فى حال كرهوا الرئيس والحكومة.
نقلا عن الوطن القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع