بقلم - أمينة خيري
التدقيق فى كتابات يخطها طلاب جامعات مصرية يستهل بعضهم تعليمهم الجامعى ويستعد البعض الآخر للتخرج والحياة العملية، يدفعنا دفعاً لإعادة النظر فى هذه الفئة الضخمة كماً وكيفاً. ولا نملك سوى استعراض أحداث سنوات سبع مضت تبدو وكأنها سبعة عقود لفرط ما جرى فيها وفينا، منذ الثورة فى عام 2011 نختلف أو نتفق فى توصيفها ووصفها، لكنها تظل ملقبة بـ«ثورة الشباب».
الشباب الذى تظل بلدان العالم تنظر إليهم بعين منقسمة قسمين متضادين متساويين باعتبارهما المشكلة والحل والصداع والمسكن والتحدى والفرصة، هم تحدى مصر الرئيسى وفرصتها. وبينما مئات وربما آلاف الشباب المصرى يضىء طرقات وكواليس ومنصات وقلب منتدى شباب العالم الذى يبدأ أعماله اليوم فى شرم الشيخ عبر لجان تنظيمية واصلت الليل بالنهار، وآخرين متحدثين ومشاركين ومتفاعلين ومؤمنين بقدراتهم على إحداث نقلة ما فى حياتهم وحياة من حولهم نحو الأفضل، هناك آلاف غيرهم اختاروا طرقاً مغايرة.
ولولا معرفة شخصية بأن النسبة الأكبر من شباب المنتدى تم اختيارها دون وساطة من فلان بك أو كارت توصية من علان باشا، لتشككت كما يتشكك آخرون فى سبل الاختيار. ولولا معرفتى الشخصية بعدد كبير من شباب المنتدى، والخلفيات الاقتصادية والاجتماعية العادية جداً التى ينتمون إليها، والقدرات الفكرية الهائلة والمهارات المختلفة التى اكتسبوها عبر ورش وبرامج تدريبية عدة لتشككت كما يتشكك غيرى فى مواصفاتهم التى تؤهلهم فعلياً ليكونوا من خيرة شباب العالم.
وعودة إلى كتابات يكتبها البعض من الشباب المشار إليه فى أول المقال والتى يفترض أن تكون مكتوبة على أيدى شباب ينتمون إلى فئة الـ«A Class» كما يصنفها خبراء الاقتصاد وعلماء الاجتماع فى إشارة إلى «كريمة المجتمع» وطبقاته الأعلى، فإن العين لتدمع والقلب ليعتصره مزيج من الأسى والغيظ. تدوينات فيسبوكية تشير إلى «منتدى الحكومة» و«الشباب الواسطة» والفعالية التى لا تمت بصلة للواقع وقائمة طويلة من الأحكام والاتهامات والتوصيفات المرتكزة على أحاسيس تدور فى بال كل منهم، وتنتقل انتقال النار فى هشيم الفيس بوك حيث دوائر الأصدقاء والمعارف.
تسأل أحدهم: هل تقدمت للمشاركة فى المنتدى؟ يرد بسرعة: لا طبعاً لأنهم لن يقبلونى. تعاود السؤال بشكل مختلف: هل جربت من قبل وتم رفضك؟ يرد: لا. ولحسن الحظ أن زميلة له فى الجامعة نفسها تفاجئه بأنها تقدمت للمشاركة ولم تطلب وساطة أحد وتم قبولها. يهز كتفيه، ويقول ببلادة: ماعرفش بقى، آهو كلهم بيقولوا كده. تسأله: ما الذى لا تعرفه؟ ومن هم كلهم؟ وما الذى يقولونه؟ فيدخلك فى دوائر مفرغة من الكلام الفارغ.
جانب من الفراغ يقبع أيضاً فيما يكتبه البعض من شباب مصر الذى هو تحديها وفرصتها من أساليب لا ترقى إلى تلميذ فى المرحلة الابتدائية. ولولا ما رأيته بعينى من تدوينات عديدة تشير إلى أن «الخطواط كلها مشكوك فيها. إيش ضمنى أن البرنس اللى رايح ده مش أريب ولا ساحب حد من الكبار؟!» لقلت إن ناقلها يبالغ.
والمبالغة أنواع وأشكال. ومن يبالغ فى إصدار أحكام مسبقة غارقة فى الإيجابية ومتنبئة بنجاح مبهر عليه أن يتعقل ويتروى وينتظر. ومن يبالغ فى توجيه اتهامات متواترة بأن الوساطة تتحكم، والكوسة تهيمن إلى آخر منظومة «رايحة بينا على فين يا مصر؟!» عليه كذلك أن يتعقل ويتروى وينتظر.
منتدى شباب العالم جهد كبير يستهل أعماله اليوم بجدول أعمال متخم بقضايا لا تهم الشأن المصرى فقط، لكنها على قائمة اهتمامات الكوكب كله. فبين أهمية القوى الناعمة فى مواجهة التطرف الفكرى والإرهاب ونحن فى أمس الحاجة لذلك، وآليات بناء المجتمعات بعد الصراعات ومنطقتنا متخمة بها، ومستقبل العمل فى عصر الذكاء الصناعى وهو صميم اهتمامات الشباب، ودور الفن والسينما فى تشكل المجتمعات، وهو مكون ينافس قوى التطرف والظلام، وتأثير مواقع التواصل الاجتماعى على الهوية والخصوصية وهو ما نعانى منه كثيراً، وغيرها الكثير من الموضوعات التى تشكل فرصة للشباب وتحدياً وعائقاً وحلاً، وصداعاً وعلاجاً، تدور فعاليات منتدى الشباب، كل الشباب.
نقلا عن الوطن
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع