بقلم - أمينة خيري
فى شهر مايو الماضى كتبت مقالاً تحت عنوان «مسرح المترو الكبير»، استعرضت جانباً مما يكابده ركاب المترو، لا سيما الخطين الأول والثانى، يومياً من مصاعب ومقارف (جمع مقرفة) ومطاحن (جمع مطحنة)، من باعة جوالين بالمئات، وتفتيش حقائب للركاب بحسب المزاج وغير ذلك. وتفضلت وزارة الداخلية مشكورة بالرد على ما ورد فى المقال، وذلك عبر رسالة محترمة من السيد اللواء خالد حمدى، مساعد وزير الداخلية لقطاع الإعلام والعلاقات. وجاء فى الرسالة -التى نشرتها «الوطن»- أن «إدارة شرطة النقل والمواصلات وجهت العديد من الحملات لضبط كافة المخالفات واتخاذ الإجراءات القانونية حيال المخالفين، وأن الجهود أسفرت فى الفترة الأخيرة عن ضبط 2354 قضية بائع متجول، وثمانى قضايا تسول، وأربع قضايا متنوعة وذلك باستخدام أجهزة الكشف عن المعادن».
وبالطبع فإن خطوة قيام الوزارة بمتابعة ما ينشر والرد محمودة. صحيح أن العدد 2354 قضية بائع متجول استوقفنى وذلك لأنه لم يتم تحديد الفترة الزمنية المقصودة، ولا المعنى بـ«قضية بائع متجول»، ولكن فرحتى بالرد منعتنى من السؤال.
لكن ما جرى فى الأيام القليلة الماضية يدفعنى للخوض فى المترو مجدداً. فقبل عيد الأضحى بيومين، وفى رحلة بين محطتى «الشهداء» و«سراى القبة» كان المشهد مزرياً. عشرات من الباعة الجائلين من كل الأعمار يزاحمون بعضهم البعض فى كل محطة صعوداً ونزولاً. الجميع محمل ببضائع بين مأكولات وأدوات منزلية وتجميل وغيرها. وليست مبالغة لو قلت إن عدد الباعة فى العربة كان ينافس عدد الراكبات.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل نشبت معارك لفظية وأخرى بالأيدى غير مرة بين الباعة لأسباب إما تتعلق بالمنافسة على مكان البيع فى حال كانت البضاعة متطابقة، أو لأسباب تتعلق بخلافات على ما يبدو شخصية بينهم.
سبع محطات بالتمام والكمال لم يظهر فيها ولو شبح لفرد أمن يبذل جهداً لوقف المهزلة. لذلك لم أفكر مرتين قبل أن أتوجه إلى نقطة الشرطة الموجودة فى محطة سراى القبة للتعبير عن استيائى مما هو حادث، إن لم يكن لأسباب تتعلق بشكل هذه الخدمة ومحتواها التى تضاعف سعرها فلعوامل تتعلق بأمن الركاب. والحقيقة أن أول ما شاهدته فى النقطة ثلاث فتيات منتقبات ولكن بعيون مرسومة بدقة متناهية بالكحل مع عباءات تظهر ما أخفاه غطاء الوجه يحاولن إقناع أمين الشرطة بتركهن يمضين إلى حال سبيلهن مع بضاعتهن.
توجهت إلى الضابط المسئول الذى استقبلنى بأدب بالغ. وسمع منى، وسمعت منه، بل حضر معاون المباحث كذلك ليسمع منى، وسمعت منه. وخرجت بنتيجة مفادها أنهم يبذلون قصارى الجهد، وأن الظاهرة تحتاج تدخلاً «استراتيجياً» وليس أمنياً فقط، وأنه لا يمكن إيقاف هذه الجيوش قبل الدخول إلى أرصفة المحطات طالما تحمل تذاكر، وهو ما اعترضت عليه لأن بتفتيش هذه الحقائب يتضح تماماً إنها تحوى بضائع لباعة جائلين.
وبدلاً من أن أخرج من نقطة الشرطة ببعض من أمل فى إمكانية تطويق الظاهرة الرهيبة، خرجت بفقدان أمل كامل. وتحول فقدان الأمل إلى صدمة كبيرة بعد تداول فيديو رجل الأمن بملابس ملكية ومعه فرد أمن فى عربة السيدات فى المترو، والأول يضرب ويسب الدين لبائع جائل صبى.
أيقنت أننا فى مأزق لو تعلمون رهيب! فمواجهة الباعة الجائلين لا تتم بالضرب المبرح وسب الدين. وبين السيدات فى المترو من لا ترى فى وجود جيوش الباعة مشكلة، وتسمع إحداهن قائلة «وإيه المشكلة يعنى؟!» والصبى نفسه -رغم أنه خارج على القانون- يبقى ضحية مرتين، مرة لمجتمع غرق فى قرون وسطى من إنجاب دون حساب تحت شعار الحرية الشخصية والحرمانية الدينية للتنظيم، وغض الطرف عن ظواهر قاتلة مثل أطفال الشوارع وعمالتهم وهى ظواهر لا تؤرق مشايخ التحريم ودخول الحمام باليسرى والخروج باليمنى، ناهيك عن دوائر مفرغة من كيفية تعامل الأمن مع مثل هذه الظواهر، إن أراد التعامل معها.
لنا الله!
نقلا عن الوطن
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع