بقلم - أمينة خيري
مما لا شك فيه أننا فى حاجة ماسة إلى علاج نفسى جماعى، المتأمل فى أحوال الشارع وسير العلاقات وتطور الحياة اليومية فى مصر يعرف أن السكوت على الوضع الراهن سيؤدى إلى مزيد من الجنون والشطط والجنوح، والمسألة لم تعد حكراً على مجموعات فاتها قطار التعليم، أو دهستها فرصة التربية، أو نال منها تدنى الفرص، بل طالت الغالبية.
غالبية هياكلنا الرسمية من وزارات ومؤسسات وهيئات منشغلة ومنغمسة فيما بين أياديها من مسئوليات ومتطلبات فى مرحلة دقيقة اقتصادياً ومعيشياً وأمنياً، لكن أماننا النفسى والعصبى يتعرض لخطر داهم، فقد داهمتنا تغيرات متواترة ومتصارعة دون هوادة على مدار السنوات السبع الماضية، فمن رياح تغيير إلى عواصف تبديد ومنها إلى نسائم استعادة لما يمكن استعادته، وحالياً إلى جهود تثبيت دعائم، وفى خضم كل هذه الزعابيب والعواصف وهنت قوة القانون التى لم تكن فى أبهى حالاتها حتى فى عقود ما قبل رياح التغيير، كما تضاءلت وانكمشت آمال إعادة مكونات التحضر إلى سلوكنا وحياتنا اليومية، فلم يعد تنظيم المرور أو تنظيف الشوارع أو منع عمليات تقبيح المبانى أو إعطاء العيش لخبازينه فيما يختص بالترميم والتحديث والتطوير أولوية، ويبدو أن الدولة مثقلة جداً بنوعية أخرى من أولويات البناء وأفضليات التشييد، وعلى الرغم من أن ترك، أو تأجيل، أو تسويف، أو النظر بعين التقليل إلى مسائل تبدو ثانوية يؤدى إلى نتائج كارثية، إلا أن هذا هو تحديداً ما جرى!
خذ عندك على سبيل المثال لا الحصر ضرب عرض الحائط بقوانين المرور وقواعده، وهو ما يخلف آلاف القتلى والمصابين، وإطلاق أيدى كل من هب ودب لتقبيح معالمنا المعمارية، وتجاهل خلط الحابل بالنابل حيث السماح للموظفين بإقامة زوايا للصلاة فى أماكن العمل بما فيها أماكن الخدمات العامة من مترو أنفاق ووزارات وشركات، وتسيير مصالح الناس بحسب أهواء الموظف المسئول بدءاً من سائق الباص العام مروراً بـ«مدام عنايات» مسئولة تحصيل التمغة فى مصلحة الضرائب وانتهاء بسائقى أوبر وكريم الذين طفحوا بتركيبات البلطجة والفهلوة والنصب والاحتيال على قواعد مثل هذه التطبيقات التقنية المطبقة كما هى فى أنحاء العالم فتم تمصيرهم تماماً ليلحقوا بالتاكسى الأبيض والأصفر والأسود، وليس هناك أسود أو أسوأ من شخص مريض بأمراض الدنيا التى نالت من مظهره وجوهره لكنه ينظر فى المرآة فيرى بدراً منيراً، البدر المنير الذى طغى على حياتنا اليومية فوضى وعشوائية واعتياد قبح وتعايش مع فهلوة وبلطجة وتواؤم كامل مع نصب واحتيال فى إنجاز المهام وقبول قلة التهذيب وانعدام التأديب بحجة الفقر والضغط و«معلش ما جراش حاجة»، واستمرار بل وتشجيع الفصل التام بين مظاهر العبادات من حجاب ونقاب وذقن وزبيبة وجلباب وعبارات دينية وسيوف مسلولة على الجدران وزجاج السيارات وبين ما يصح ولا يصح أو ما يسمح به القانون وما لا يسمح.
استقرار مفهوم دولة القانون يتحول بعد فترة وجيزة إلى ثقافة عامة لدى البشر وممارسة يفترض أن تكون عادلة من قبل مؤسسات الدولة، هنا تستوى الأمور، إما أن ترسل الدولة رسائل إلى الشعب بأن من يعترض على سائق أجرة لأنه يرفض تشغيل العداد عليه أن يبطحه ليجبره على التشغيل، أو أن من يرفض دفع الإتاوة للسايس عليه أن يهشم رأسه حتى يتمكن من إيقاف سيارته، وأن من الرد على من يقود سيارته بسرعات جنونية يكون عبر حادث مرورى يزهق روحه وروح من حوله، وأن المعلم الذى يرفض أن يشرح للتلاميذ فى الفصل حتى يدخر جهده للدرس الخصوصى يجب إلقاؤه من نافذة الفصل، وهلم جرا.
وحيث إن ثقافة «قانون الفرد» شاعت واستفحلت وتوغلت حتى تحكمت فى مصر على مدار سنوات ما بعد يناير 2011، وحيث إن بوادر عودة دولة القانون فى الشارع محكماً بين البشر ومنصفاً للحقوق ومجبراً على الواجبات لم تلح فى الأفق بعد، فربما يكون توفير العلاج النفسى والمهدئات العصبية سبيلاً أيسر للمواطنين لحين البحث عن دولة القانون.
نقلا عن الوطن
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع