توقيت القاهرة المحلي 10:30:47 آخر تحديث
  مصر اليوم -

البحث عن دولة القانون

  مصر اليوم -

البحث عن دولة القانون

بقلم - أمينة خيري

مما لا شك فيه أننا فى حاجة ماسة إلى علاج نفسى جماعى، المتأمل فى أحوال الشارع وسير العلاقات وتطور الحياة اليومية فى مصر يعرف أن السكوت على الوضع الراهن سيؤدى إلى مزيد من الجنون والشطط والجنوح، والمسألة لم تعد حكراً على مجموعات فاتها قطار التعليم، أو دهستها فرصة التربية، أو نال منها تدنى الفرص، بل طالت الغالبية.

غالبية هياكلنا الرسمية من وزارات ومؤسسات وهيئات منشغلة ومنغمسة فيما بين أياديها من مسئوليات ومتطلبات فى مرحلة دقيقة اقتصادياً ومعيشياً وأمنياً، لكن أماننا النفسى والعصبى يتعرض لخطر داهم، فقد داهمتنا تغيرات متواترة ومتصارعة دون هوادة على مدار السنوات السبع الماضية، فمن رياح تغيير إلى عواصف تبديد ومنها إلى نسائم استعادة لما يمكن استعادته، وحالياً إلى جهود تثبيت دعائم، وفى خضم كل هذه الزعابيب والعواصف وهنت قوة القانون التى لم تكن فى أبهى حالاتها حتى فى عقود ما قبل رياح التغيير، كما تضاءلت وانكمشت آمال إعادة مكونات التحضر إلى سلوكنا وحياتنا اليومية، فلم يعد تنظيم المرور أو تنظيف الشوارع أو منع عمليات تقبيح المبانى أو إعطاء العيش لخبازينه فيما يختص بالترميم والتحديث والتطوير أولوية، ويبدو أن الدولة مثقلة جداً بنوعية أخرى من أولويات البناء وأفضليات التشييد، وعلى الرغم من أن ترك، أو تأجيل، أو تسويف، أو النظر بعين التقليل إلى مسائل تبدو ثانوية يؤدى إلى نتائج كارثية، إلا أن هذا هو تحديداً ما جرى!

خذ عندك على سبيل المثال لا الحصر ضرب عرض الحائط بقوانين المرور وقواعده، وهو ما يخلف آلاف القتلى والمصابين، وإطلاق أيدى كل من هب ودب لتقبيح معالمنا المعمارية، وتجاهل خلط الحابل بالنابل حيث السماح للموظفين بإقامة زوايا للصلاة فى أماكن العمل بما فيها أماكن الخدمات العامة من مترو أنفاق ووزارات وشركات، وتسيير مصالح الناس بحسب أهواء الموظف المسئول بدءاً من سائق الباص العام مروراً بـ«مدام عنايات» مسئولة تحصيل التمغة فى مصلحة الضرائب وانتهاء بسائقى أوبر وكريم الذين طفحوا بتركيبات البلطجة والفهلوة والنصب والاحتيال على قواعد مثل هذه التطبيقات التقنية المطبقة كما هى فى أنحاء العالم فتم تمصيرهم تماماً ليلحقوا بالتاكسى الأبيض والأصفر والأسود، وليس هناك أسود أو أسوأ من شخص مريض بأمراض الدنيا التى نالت من مظهره وجوهره لكنه ينظر فى المرآة فيرى بدراً منيراً، البدر المنير الذى طغى على حياتنا اليومية فوضى وعشوائية واعتياد قبح وتعايش مع فهلوة وبلطجة وتواؤم كامل مع نصب واحتيال فى إنجاز المهام وقبول قلة التهذيب وانعدام التأديب بحجة الفقر والضغط و«معلش ما جراش حاجة»، واستمرار بل وتشجيع الفصل التام بين مظاهر العبادات من حجاب ونقاب وذقن وزبيبة وجلباب وعبارات دينية وسيوف مسلولة على الجدران وزجاج السيارات وبين ما يصح ولا يصح أو ما يسمح به القانون وما لا يسمح.

استقرار مفهوم دولة القانون يتحول بعد فترة وجيزة إلى ثقافة عامة لدى البشر وممارسة يفترض أن تكون عادلة من قبل مؤسسات الدولة، هنا تستوى الأمور، إما أن ترسل الدولة رسائل إلى الشعب بأن من يعترض على سائق أجرة لأنه يرفض تشغيل العداد عليه أن يبطحه ليجبره على التشغيل، أو أن من يرفض دفع الإتاوة للسايس عليه أن يهشم رأسه حتى يتمكن من إيقاف سيارته، وأن من الرد على من يقود سيارته بسرعات جنونية يكون عبر حادث مرورى يزهق روحه وروح من حوله، وأن المعلم الذى يرفض أن يشرح للتلاميذ فى الفصل حتى يدخر جهده للدرس الخصوصى يجب إلقاؤه من نافذة الفصل، وهلم جرا.

وحيث إن ثقافة «قانون الفرد» شاعت واستفحلت وتوغلت حتى تحكمت فى مصر على مدار سنوات ما بعد يناير 2011، وحيث إن بوادر عودة دولة القانون فى الشارع محكماً بين البشر ومنصفاً للحقوق ومجبراً على الواجبات لم تلح فى الأفق بعد، فربما يكون توفير العلاج النفسى والمهدئات العصبية سبيلاً أيسر للمواطنين لحين البحث عن دولة القانون.

نقلا عن الوطن 

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البحث عن دولة القانون البحث عن دولة القانون



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث

GMT 04:47 2021 السبت ,02 تشرين الأول / أكتوبر

الفنان محمد فؤاد يطرح فيديو كليب «سلام»
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon