بقلم : آمينة خيري
الكلمات التالية وجهة نظر فى حوار «الاختيار» والزاوية المختارة لاستعراض مسارين متناقضين، الأول اختاره البطل الأسطورة الشهيد أحمد المنسى، والثانى اختاره الإرهابى المجرم هشام عشماوى. أتابع المسلسل بشغف شديد، وأمل أشد فى أن يكون باكورة أعمال تساعد على تطهير الأفكار وتعقيم الفيروسات «الثقافية» الآخذة فى تلطيخ العقل المصرى منذ أواخر السبعينيات. عوامل الجذب والإثارة والنجاح جميعها متوفر فى العمل الجميل جداً، والمقاطع المأخوذة من الواقع تزيده ثراءً، لكن كنت أفضل ألا تكون المواجهة بين فكرين دينيين متقابلين، وألا تكون الفرصة ترجيحاً لكفة مدرسة دينية على حساب أخرى. لماذا؟ هذا يعنى أن المجال سيظل مفتوحاً لمدرسة دينية ثالثة تنتصر على كليهما بحجة دينية أشد وبراهين شرعية أقوى.
أعلم جيداً أن هذه الكلمات ليست مستساغة لدى الغالبية، لا القابعين على جانب هذه المدرسة ولا الرابضين مع تلك. وهذه ليست دعوة لمحاربة الدين وكراهية المتدينين، وهى الاتهام الأسرع والسلاح الأكثر فتكاً حين يكون المراد إخراس الألسنة وتكميم العقول، لكنها دعوة لإعمال العقل وترجيح كفة الدولة المدنية. كنت أظن أن «الاختيار» سيأتى، ليس فقط لتأريخ شخصية أسطورية مثل شهيدنا المنسى، ولكن ليعيد الاعتبار لقيم الوطنية والمنطق وغسل منظومة «طز فى الوطن» وتصنيفه باعتباره «حفنة من تراب»، وهما للعلم قيم شائعة ليس فقط لدى جماعات الإسلام السياسى المجرمة، لكنها أفكار تمكنت من رقابنا منذ تخلينا عن ثقافتنا وهويتنا واعتنقنا أخرى دون تفكير أو مراجعة. وحين تمكنت من رقابنا وضعنا عقولنا وقدراتنا على التفكير النقدى وتفنيد ما يهب علينا من أفكار وثقافات على خاصية الـpause وتركناها هكذا حتى أصبح الأفيون الشهير إلزامياً منذ المهد إلى اللحد. ولا داعى الآن للخوض فى الشعور الكاذب بالأمان الذى يعطيه لنا ثوبنا الجديد الطويل الفضفاض المريح بأننا صرنا أكثر التزاماً.
المصرى حين يسافر دولا عدة فى الأرض، بما فيها تلك التى استوردنا منها هذا الفكر، يجد فى البداية صعوبة قصوى فى الالتزام بالقواعد السلوكية والقوانين المدنية من الالتزام بقواعد السير وساعات العمل دون تزويغ أو لكلكة أو فساد أو إهمال وعدم اعتبار الشارع مقلب زبالة يتخلص فيه من فضلاته والسيطرة على تصرفاته الشخصية الشاطحة الجانحة التى يمارسها هنا تحت مسمى «أنا حر». الدفاع عن الوطن لا يجب أن يكون مجالاً للتراشق بآيات قرآنية، ولن أتساءل عن مصير المسيحى الذى لم يحسم أمره من مسألة الوطنية فيجدها جدالاً وحرباً بين تفسيرين مختلفين للقرآن أحدهما وسطى جميل والثانى متطرف قبيح؟! ولكن أقول إن مثل هذه المناظرة يمكن، بل يرحب أن تتم مثلاً بين الدكتور على جمعة والحوينى، أو بين الشيخ أسامة الأزهرى وياسر برهامى. أما الوطنية والبطولة والانتماء والشجاعة فهى سر قوتنا «المصرية» وجذور هويتنا المدنية. رحم الله شهداءنا.