بقلم - أمينة خيري
«إحنا متعلقين فى قشاية»! هكذا هو حالنا، وهكذا ما تنضح به مكانة محمد صلاح فى المجتمع المصرى. فى أول أيام العيد، وبينما كان الشارع المصرى يستعد لمباراة مصر وأوروجواى، كان المشهد تاريخيًا. كل تفصيلة دقيقة تستحق مجهر عالم نفسى ومحلل اجتماعى وخبير أزمات.
الأزمة التى نشأت فى الحارة الصغيرة المتفرعة من شارع خلوصى فى حى شبرا العظيم سرعان ما وجدت حلاً. فالحارة المتخمة بمقهى صغير بين كل مقهيين كبير ومتوسط بدت أشبه بصالة العرض. المقاعد متراصة بإحكام، وكأنها صفوف الصلاة فى الجمعة الأخيرة من شهر رمضان.
الحارة كاملة العدد كادت تتحول لساحة صراع حيث لم تجد مجموعة الشباب مكانًا لها بعد اكتمال العدد، لولا تدخل الحكماء ورص صف مقاعد إضافية فى الشارع الرئيسى فى حضن باصات النقل العام وظل مئات التكاتك المتصارعة تحت أعين رجال الشرطة.
سيدات ونساء وأطفال بالإضافة بالطبع إلى جموع الشباب ارتدوا تى شيرتات حمراء مطبوعا عليها اسم صلاح وصورته بشعره المشعث الجميل. وعلى الرغم من الأداء الجيد للمنتخب المصرى (هكذا قال لى قلب الأم وهكذا أكد خبرائى الكرويون)، إلا أن «طاجن ستى» سرعان ما وجد طريقه إلى رؤوس الجميع عقب الهدف غير المرجو.
وما يعنينى فى هذا السياق هو ما آل إليه حال الجماهير المصرية حيث تعلق بـ«قشاية» تسعدهم وتبهجهم وتخفف عن كواهلهم المثقلة منذ عقود. العقد المبرم بين صلاح وبين ملايين المصريين ليس موثقًا فى شهر عقارى أو مكتب قانونى. إنه ذلك العقد غير القابل للشرح وغير الخاضع للمنطق. وعلى مدى دقائق المباراة تخلى المصريون لحظيًا عما ضربهم من تحلل سلوكى ونقص حاد فى معيار الذوق العام وشح واضح فى أبجديات مراعاة حقوق الآخرين. لم يطالب أحد بضرورة الدفع بصلاح من على دكة الاحتياطى إلى أرض الملعب. إصابته فرضت تعديلاً آنيًا فى قائمة الأولويات.
الأولوية فى هذه الفترة العصيبة من حياتنا هى أن ينظر أولو الأمر إلى ما فعله صلاح بملايين المصريين على اختلاف توجهاتهم وانتماءاتهم ومستوياتهم. آخرون تنبهوا إلى «القشاية» التى نحن متشعلقون بها. لوس أنجلوس تايمز خرجت بعنوان «فى مصر: فقر، اضطراب سياسى، بطالة، والآن كأس العالم» لتتحدث عن حمى مو صلاح التى اجتاحت مصر والمصريين والتى كانت واضحة وضوح شمس يونيو القائظة حين توحد الجميع مجددًا على أمل الفوز وعلى قلب واحد ألا وهو قلب محمد صلاح، وذلك رغم الفقر والاضطراب والبطالة. (مع العلم أن أسعار الوقود لم تكن قد زادت وقت نشر الموضوع).
«نيويورك تايمز» كتبت عن «كسرة قلب لمصر حيث صلاح يجلس والفريق يهبط». كذلك فعلت «أفريكا نيوز» بعنوانها «مصر منزوعة صلاح تخسر واحد صفر أمام أوروجواى» وقائمة تحليل الوضع المصرى فى صحف العالم طويلة جدًا.
وللعلم والإحاطة، الغالبية العظمى من التغطيات العالمية عن مباراة مصر لم تكن تغطية كروية. بمعنى آخر الاهتمام العالمى الرئيسى صب فى هذه الحالة التى صنعها صلاح فى الشارع والبيت المصرى. هم تنبهوا إلى أن هذا الشعب لم يجد من يحنو عليه نفسيًا وعاطفيًا ومزاجيًا سوى مو صلاح. هم أيقنوا أن هذا الشعب الصابر الصامد الجامد مستمر فى هضم مرارة علقم الدواء الاقتصادى المر بأقل مشهيات ممكنة، وفى أقوال أخرى بدون مشهيات أو محفزات من الأصل.
أصل الحكاية تكمن فى دعوة متواضعة لأن يدرس أولو الأمر سهولة التخفيف عن كواهل المصريين وليونة تحفيزهم ليمضوا قدمًا فى طريق صعب مر بالغ الوعورة. فمن غير المعقول ومن غير المنطقى أن نستمر فى منهج «كله ضرب ضرب مفيش تهزىء». و«القشاية» التى تتشعلق فيها هذه الآونة ملايين منا لن تستمر للأبد. حفظ الله الوطن، وحفظ الله محمد صلاح، وحفظ الله قدرتنا على منطقة الأمور والاحتكام للعقل واللجوء إلى الوقاية التى هى خير ألف مرة من علاج ما لا تحمد عقباه!
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع