بقلم - أمينة خيري
بينما نبذل الجهد الجهيد لإماطة الأذى والخراب، الذى لحق بالأدمغة جراء نصف القرن من تشويه الفكر وتجريفه، إذا برجل دين يُطل علينا فى نهار رمضان ليخبرنا أنه لا ينبغى للشاب أن يتقدم لخطبة فتاة بعد رؤيتها، إلا إذا تيقن أنه سيخطبها. نظرت إلى الشارع فوجدت هذه الملايين من الشابات والنساء المصريات اللاتى يدرسن ويعملن ويخرجن ويركبن المواصلات ويَقُدْن السيارات ويعالجن المرضى ويُعلمن الطلاب ويترددن على المطاعم والمقاهى، وحاولت أن أفهم ما يقصده المتحدث بـ«رؤية الفتاة»، فالفتيات مرئيات فى كل مكان لأنهن لسن كائنات نورانية نشعر بها ولا نراها.
لكن ما قيل بعد ذلك ألقى الضوء ربما على ما يقصده، فقد ذكر أنه يجوز شرعًا أن يتتبع الشاب الفتاة- التى اختارته له أمه أو أخته للزواج- فى مكان عام، فإن أعجبته تقدم لخطبتها، فهل الشباب والشابات يتزوجون فى العام الـ22 من الألفية الثالثة عبر ترشيح العروس من قِبَل الأم أو الأخت؟. المؤكد أن هذه الترشيحات تحدث، لكنها ليست قاعدة العثور على شريك وشريكة الحياة. ثم نأتى لـ«الثقيلة». ما المقصود بـ«يتتبعها فى مكان عام»؟. ليس هناك من تفسير إلا تتبعها بغرض معاينة البضاعة وتقييم المحتوى، فإن كانت مطابقة لمواصفات «الأيزو» القياسية تفضل وتكرم وتقدم لخطبتها. لا نلومَنَّ إلا أنفسنا إذن حين يتحرش الذكور بالإناث فى الشوارع عبر تدقيق النظر والتمعن فى الجسد، ولِمَ لا وبيننا من المرجعيات «الدينية» مَن يحلل ذلك، حتى وإن كان بغرض «شيل البضاعة وإنهاء الصفقة»، عفوًا أقصد حتى وإن كان ذلك بغرض الزواج. ثم مضى العالِم الجليل ليعرض ما تفضل به العلماء من آراء وتفسيرات حول ما يمكن رؤيته ومعاينته من جسد الأنثى بغرض الزواج.
وقدم الاختيارات كلها للذكر ليختار ما يشاء منها، فمنهم مَن قال الوجه- للتأكد من الجمال والحسن- والكفان لأنهما دليل على خصوبة البدن، ومنهم مَن أضاف القدمين، ومنهم مَن أجاز النظر إلى ما يظهر من الأنثى عند القيام بأعمال المنزل، مُحدِّدًا إياه بستة مواضع: الشعر والرقبة والوجه والقدم واليد والساق، ومنهم مَن أجاز النظر إلى مواضع اللحم. آه والله.
ولم يسعنى إلا تخيل ملايين الطبيبات والمهندسات والمحاسبات وعاملات المنازل والصحفيات والطالبات وكذلك الوزيرات وغيرهن من القيادات وصانعات القرار وقد خرج عليهن مَن يقسم مواضع التدقيق فى أجسادهن بهذا الشكل المهين المريع. وأشير فى هذا الصدد إلى أن التوقف عند مسائل كهذه بالغ الأهمية لأن ما يُقال ولو بحسن نية يمعن فى ترسيخ مكانة المرأة باعتبارها مواضع لحم، وحتى إن لم تتبع الغالبية القواعد المذكورة فى تقييم البضاعة قبل التعاقد عليها، فإن ذلك يمعن فى ترسيخ المزيد من التدنى والاهتراء لمكانة الأنثى، وإحنا مش ناقصين، مع العلم أن التوقيف والعقاب ليسا الحل، فهذا الفكر متمكن، ويحتاج علاج جذور وليس حشوًا وتركيبًا.