بقلم : أمينة خيري
وما زلنا مع أجواء حنين حسام التى خدشت حياء المجتمع، ونالت من التزامه الأخلاقى، وهددت أمنه السلوكى لولا تدخل البلاغات، وهمة الدولة لوقف هذه التهديدات التى كان من شأنها فى حال استمرارها أن تزعزع بنيتنا القيمية شديدة الالتزام والاتزان. الاتزان المفقود فى التعامل مع منظومتنا الأخلاقية أقام الدنيا ولم يقعدها بسبب «بوكسر» ابن الجيران. انتفضت المؤسسات وانبرت الأقلام وتزلزلت الأحاسيس وتعرض الحياء المصرى الفطرى لخدش عميق مازال يلملم جراحه جراء الإعلان الشهير. وتحركت المؤسسات مجدداً، ولوحت بالكارت الأحمر، وتفرغ قطاع عريض من المحظورين والمحظورات فى بيوتهم لمهاجمة الإعلان وبطلته وشركته أو للدفاع عنهم، وتم إيقاف الإعلان «لأجل غير مسمى». لكن فى عصر الثورة الرقمية وتقنية المعلومات وهذه الشبكة الدولية التى تتحكم وتحرك وتهيمن على دول وثقافات وأنظمة اقتصاد أممية وتحدد مصائر انتخابات سياسية وغيرها، لم يعد لكل ما سبق الكثير من الأثر الفعلى. بمعنى آخر، تم إيقاف الإعلان من العرض على الشاشة الفضية، لكنه يعيش أزهى أيامه على تلك الشاشات الصغيرة القابعة فى بلايين البيوت، وبين أيادى بلايين البشر حول العالم. اكتب كلمة «بوكسر» على «جوجل» وستطالعك العناوين التالية بالكلمة والصوت والصورة: «اللقطات التى أدت إلى وقف إعلان بوكسر ابن الجيران «بوكسر ابن الجيران اللى بتحبه فلانة بطلة الإعلان» «إعلان بوكسر رمضان 2020» «إجراءات مشددة فى انتظار بوكسر ابن الجيران» «بطلة إعلان بوكسر ابن الجيران تخرج عن صمتها» «إعلانات خلعت ثوب الحياء» والقائمة طويلة جداً. غاية القول ليس دفاعاً عن حنين ولا البوكسر ولا الحياء المجتمعى المخدوش، ولكن الغاية قليل من التفكر وبعض من التدبر فى تلك الدائرة المفرغة.
المجتمع المصرى يعانى الأمرين من تدهور أخلاقى وسلوكى على مر عقود طويلة، ويغرق فى فصام شعبى رهيب بين المظهر الملتزم بشدة والمحتوى المهلهل بشدة أيضاً. وهو يشعر بأمان كاذب طالما «النيش» فى السفرة وأرففه عامرة بطقم الشاى والقهوة والكاسات والخشاف والشربات والشفشق والفروت سلاط والكاكاو والصينى الـ1200 قطعة فإن البيت مستور والبنت متسترة ومهمة الأب والأم تم إنجازها على خير ما يرام. النيش المجتمعى يشعر بالراحة ويخلد إلى نومه ليلاً وهو مرتاح البال مطمئن القلب طالما النيش عمران. لا يهمه كثيراً كيف تم تعميره، أو جدوى محتوياته، أو أثر وجوده فى الحياة الزوجية والتركيبة الأسرية، فمجرد وقوفه ولو خاوى الجدوى على عروش البيت يكفى. ويكفى أن المجتمع المهلل لمفهوم شرطة الأخلاق الحميدة، والإعلام الآمر بالمعروف والمؤسسات الناهية عن المنكر والشعب المقيم الحدود الأخلاقية هو نفسه المعتبر ضحية التحرش المتهم الرئيسى والمتحرش ضحية كيوت، والسير العكسى والقيادة الجنونية وقتل الآلاف على الطريق قضاءً وقدراً، وإغلاق دور العبادة بسبب تفشى وباء حرباً على الدين والمتدينين. ولحديث «النيش المجتمعى» بقية.