بقلم - أمينة خيري
لم يعد فى الإمكان تحديد الزمن الذى استغرقته الدروس الخصوصية لترتقى سلم النشوء والارتقاء، وتتحول من آفة إلى معضلة، ومنها إلى ظاهرة، وبعدها إلى أمر اعتيادى لا يستوجب الشجب أو التنديد، أو حتى المعارضة والممانعة.
وقد امتنع الكثيرون عن الاستمرار فى خوض معركة خاسرة اسمها القضاء على الدروس الخصوصية. حتى ملحمة المواجهة لم تعد مجزية أو موحية أو حتى مثيرة للاهتمام، وإن أصبحت مثيرة للغثيان.
أعراض الغثيان ظهرت جلية للمرة الأولى قبل سنوات حين شن أحد المحافظين حربًا شعواء لإغلاق مراكز الدروس الخصوصية. وقتها، وبدلاً من أن يتضامن الأهل الذين يتجرعون مرارة «فيزيتا» الدرس الخصوصى، ويئنون تحت وطأة نحو 20 مليار جنيه مصرى تشفطها الدروس الخصوصية، نظم الأهالى وقفات احتجاجية وأشعلوا مواقع التواصل الاجتماعى وما تيسر من برامج الفضائيات.
هذه الوقفات لم تكن احتجاجًا على إلغاء المدرسة، أو اعتراضًا على تحول «السنتر» إلى مربٍ ومعلم. كانت الوقفات تنديدًا بقرار المحافظ، واعتراضًا على جهوده فى إغلاق هذه المراكز.
صال الأهل وجالوا على برامج الفضائيات وصفحات «فيسبوك»، ودفعوا بأبنائهم الذين لا يعرفون معنى كلمة «مدرسة» إلا كونها هذا البناء الخالى من الروح منزوع الرسالة إلى الأرصفة المواجهة للمراكز المغلقة، رافعين لافتات تطالب بإعادة فتح «مراكز العلم». وانتصر الأهل وسطع نجم «السناتر» وانهزم المحافظ.
لكن المحافظ لم ينهزم وحده، بل انهزمت معه فكرة أن «السنتر» يهدد كيان المدرسة، وأن «السنتر» لا يربى أو يعلم، لكنه يحشو مخ الطالب بمعلومات يضنّ بها المعلم نفسه عليه فى الفصل المدرسى. وأيقنت أن «السنتر» صار جزءًا لا يتجزأ من الحياة فى مصر، شأنه شأن تلال القمامة التى نسير وسطها ونعيش بينها، وفوضى الشارع التى ترفع راية «البقاء للأقوى»، وترهل هيكل الموظفين الحكوميين الذين يتقاضون رواتب لا يستحقون ربعها، إلى آخر القائمة التى نتعايش معها ونقبلها بل وندافع عنها.
وقد جرى العرف أن يقاوم الإنسان كل جديد ويتشكك فى التجديد. وهذا هو الحادث حاليًا فى ظل جهود جريئة تبذلها مصر فى مجال إصلاح التعليم. وبدلاً من فتح حوار يعرض وجهات النظر فى محتوى التجديد وقواعد الإصلاح، تهبد الغالبية وترزع دون هدف أو غاية. نتباكى على مدار ما يزيد على عقدين على ما آل إليه التعليم من ترهل وما تحولت إليه المدارس من أطلال، ونعقد آمالنا على «الإصلاح» ليمد لنا يد العون والإنقاذ. وحين تتبدى ملامحه وتظهر معالمه نقاوم بشدة، ونندد بقوة، ونبذل كل ما فى وسعنا لنجهض المحاولة. تسأل أحد المعارضين عن سبب الاعتراض. يرد بكل جسارة: كده! أما تعريف كده فيبقى سرا من أسرار الشعب العليا.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع