توقيت القاهرة المحلي 11:36:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تريّثوا وتمنطقوا تصحّوا

  مصر اليوم -

تريّثوا وتمنطقوا تصحّوا

بقلم - أمينة خيري

فى أول مايو من العام الجارى، كتبت فى هذه المساحة تحت عنوان «وجهة سياحية ماسخة» مناشدة كل من يهمه الأمر ضرورة الإسراع فى الاستعداد لاستقبال السياحة العائدة بعد طول عناء.

يومها لم أقصد الاستعداد بضخ تماثيل قبيحة رديئة هزيلة فى الشوارع تعكس تدهورًا فى فن النحت وتقهقرًا فى الذوق العام. كما لم أرمِ إلى استقبال السياح فى المطار بفرقة حسب الله وطبل ومزمار. ولم يكن المراد «ويلكام درينك» (مشروب استقبال) إضافى أو ما شابه. ما قصدته كان الاستعداد بدرء سلبياتنا المتفاقمة وتقويم ما اعوجّ من سلوك وأخلاقيات، على الأقل لدى القطاعات المتعاملة مع السياح، وذلك لحين تطهير مواضع الفيروسات السلوكية القاتلة التى تهاجمنا أرضًا وجوًا وبحرًا.

كتبت فى حينها أن أمارات وبشائر السياحة العائدة إلى مصر تبدو واضحة، لكن العودة ستكون صعبة وبطيئة. وأشرت إلى أن «قلب السياحة وعقلها يكمن فى شعور السائح بالأمان. والأمان لا يقتصر على تعريفات فى ضوء محاربة الإرهاب ومواجهة عمليات التفجير والتفخيخ فقط، لكنها تشمل شعوره بالأمان والراحة النفسية وهو يمشى فى شارع هنا، أو يجلس فى مقهى هناك، أو يقضى يومًا فى الأهرامات أو خان الخليلى أو القاهرة القديمة أو ما شابه... والعنصر البشرى المصرى يحتاج منا وقفة سريعة وقوية. وسبب السرعة هو أن المؤشرات تؤكد أن العودة المرتقبة باتت قريبة. وأما القوة لأن ما ضرب أخلاقنا وسلوكياتنا وتصرفاتنا بلغ درجة من القوة فى التردى والتدهور ما يستدعى قوة مماثلة فى التقويم والتوعية. وإذا كانت ظاهرة العنف والتردى الأخلاقى وغيبوبة تطبيق القانون فى سنوات ما بعد ثورة يناير تصيبنا بأمراض الضغط والسكر والاكتئاب، فإن بشائر عودة السياحة وما تعنيه من إعادة بث الروح فى ملايين البيوت المصرية التى كانت تعتمد على الأعمال المرتبطة بها كمصدر لدخلها، فربما تشجعنا على النظر فى المرآة لنواجه أنفسنا بالقدر الكبير من القبح الذى أصابنا. انعدام قيم النظافة، وتبدد قواعد النظام، وتبخر أبجديات الذوق والتربية، قادرة أن تجعل من بلدنا وجهة سياحية قبيحة ماسخة».

ومع وقوع وفاة سائحين بريطانيين قبل أيام فى أحد منتجعات الغردقة الجميلة، وقعت الفأس فى الرأس. وحتى كتابة هذه الكلمات، لم يكن قد خرج تقرير الطب الشرعى بعد، لكن ما أصابنى بصدمة كان تعجل محافظة البحر الأحمر فى التصريح على الملأ بأن الوفاة طبيعية، وذلك لأن تقرير مفتش الصحة أشار إلى حدوث الوفاة نتيجة توقف مفاجئ فى عضلة القلب وفشل وظائف التنفس، ومن ثم «لا دليل على وجود شبهة جنائية»!

وجاء فى التصريح ذاته أن زوجة السائح المتوفى كذلك فارقت الحياة بعد إغماء وفشل عملية الإنعاش، وأن تقرير مفتش الصحة أثبت أن السبب توقف الدورة الدموية ووظائف التنفس لديها، ومن ثم لا توجد أى شبهة جنائية.

فرق كبير بين أن تتمنى كمواطن أن تكون الوفاة طبيعية أو قلبك يحدثك إنها طبيعية، وبين أن تكون مسؤولاً يخاطب (فى هذه الحالة) العالم بأسره، وليس مصر والمصريين فقط. وإذا كان قطاع من المصريين لأسباب تاريخية وثقافية وتعليمية يمر مرور الكرام على مثل هذه التصريحات المتعجلة غير الموثقة وغير المبرهنة مرور الكرام، فإن أبناء دول وثقافات أخرى لا يفعلون ذلك، بل يتوقفون ويمحصون ولا يدعون الأمر يمر إلا إذا كان مقنعًا مبرهنًا بالأدلة المنطقية.

المنطق وُجد فيما قالته وزيرة السياحة لـ«بى بى سى»، إذ عبرت عن تعازيها، وأنه سيجرى تشريح الجثمانين لمعرفة سبب الوفاة، وأن ذلك سيستغرق بين أسبوع وعشرة أيام، وإنه سيصدر بيان بعد الانتهاء من تقرير الطب الشرعى.

وبين المنطق المقنع والعجلة المتعجلة المستعجلة هُوّة سحيقة وسموم قاتلة ودروس يجب أن تكون مستفادة. الحديث للرأى العام فى أعقاب أو أثناء الكوارث له أصول وعلم. وكون شعوب سكتت دهورًا على حديث يهين الذكاء أو يستخف بالمنطق أو يتجاهل العقل لا يعنى أبدًا استمرار الهزل.

ما حدث فى الغردقة يمكن أن يحدث فى أى وجهة سياحية فى العالم؟ نعم. لكن التعامل مع ما حدث يجب ألا يكون بطريقة «إللى على رأسه بطحة» أو «الزمن كفيل بالنسيان» أو «أى حاجة وخلاص». ويكفى أن العديد من وسائل الإعلام البريطانية والأمريكية انتهزت الفرصة وهاتك يا تقليب فى السحلب: «عشرات النزلات المعوية تحدث فى مصر بسبب مياه الشرب» «مئات حالات التسمم تحدث فى مصر بسبب قذارة الأطعمة» «ملايين حالات التحرش بالسائحات فى مصر» «حوادث مرورية يومية تزهق أرواح المصريين والسياح».

تريثوا وتمنطقوا تصحوا، لكن فى الوقت نفسه لا تناموا على الوقعة سنتين على أمل نسيانها.

نقلا عن المصري اليوم

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تريّثوا وتمنطقوا تصحّوا تريّثوا وتمنطقوا تصحّوا



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon