بقلم - عقل العقل
في رسالة بعثها أمين رابطة العالم الإسلامي الدكتور محمد العيسى إلى مديرة متحف الهولوكوست في الولايات المتحدة، أشار فيها إلى أن تلك الجريمة هزت البشرية في العمق، وأسفرت عن فظائع عجز أي إنسان منصف ومحبّ للعدل والسلام أن يتجاهلها أو يستهين بها، مؤكداً أن الرابطة لا تعرب عن وجهات نظرها، استناداً إلى أي أبعاد سوى البعد الإنساني البحت المتعلق بالأرواح البريئة، فالإسلام يحمي الأبرياء، ويحاسب كل من يعتدي أو يقتل نفساً بريئة ومن قتلها فكأنما قتل الناس جميعاً. هذه الرسالة تأتي قبل أسبوع من المشاركة في فعالية ستقام في إيطاليا الأسبوع المقبل عن التصدي للعنف المرتكب باسم الدين.
إن هذه الخطوة فيها من الشجاعة الكثير من قبل هذه المنظمة السياسية ذات البعد الدولي، المعبرة عن أكثر من 1.5 بليون مسلم في العالم تجاه هذه الكارثة الإنسانية التي حلّت باليهود في مرحلة الحكم النازي في ألمانيا، وغيرهم من الأقليات العرقية من الغجر والسلاف والأفارقة وغيرهم بدواعٍ كثيرة. لا شك في أن المنظمة انحازت إلى القيم الإنسانية، التي تدعو في جوهرها أغلب الأديان السماوية وتعلي من شأن العدالة والمساواة وتحرِّم قتل النفس وكأنما قتل الناس جميعاً، وتاريخنا الإسلامي والعربي فيه من هذه الشواهد الكثيرة على احترام الأقليات الدينية على امتداد تاريخنا، ولقد عاش أصحاب هذه الديانات في العالم العربي إلى فترة قريبة في حالة السلام والتعايش، بل إنهم اندمجوا في مناحي الحياة الثقافية العربية، وأصبحوا (يهوداً – وعرباً) يحنون إلى أيام حياة في العالم العربي، وهناك قلة منهم رفضت الهجرة وبقيت في بعض الدول العربية.
الكثير من الطوائف وأتباع الأديان في العالم ما زالوا ينكرون المذابح التي تعرضت لها تلك الأقليات على يد النظام في حقبة الحكم النازي في ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية. في عالمنا العربي والإسلامي هذا الموضوع شائك وحساس جداً، وإيمان جمعي بكذبة هذه المحرقة التي راح ضحيتها الآلاف من البشر الأبرياء، وذنبهم أنهم من أتباع دين معين أو قوميات أخرى غير قومية تدعي النقاء والتفوق في ألمانيا والأراضي التي سيطرت عليها في أوروبا في تلك الحقبة التاريخية.
لا شك في أن احتلال فلسطين من قبل الحركة الصهيونية عمّق هذا الإنكار لهذه المذابح البشعة في العالم العربي والإسلامي، ولكن علينا التفريق بين الصهاينة واليهود كأصحاب وأتباع ديانة سماوية كما المسيحية والإسلام. نعم، ارتكبت الحركة الصهيونية في فلسطين المذابح بحق العرب في فلسطين، كما في دير ياسين وفي صبرا وشاتيلا في لبنان وغيرهما، وهذه لا تقل عن المذابح التي تعرّض لها اليهود وغيرهم في ألمانيا النازية، ولكن الخطورة هي الإيمان بأن الصراع هو ديني وليس سياسياً، فالديني هو صراع مشرع ومبرر إلى الأبد، أما في عالم السياسة فالواقع وتجاذباته كفيل بالحل في الأزمات والصراعات التي يعيشها العالم.
يتعرض الإسلام والمسلمون في مرحلتنا المعاصرة لكثير من الظلم وإلصاق التهم وربطه بالعنف والإرهاب، ونسمع أن هذه الأعمال لا تمت للإسلام بصلة، وأن جوهره يعلي من قيمة الإنسان وهو كذلك، وأن هذه الأعمال تقوم بها قلة من المتشددين والإرهابيين باسم الإسلام، هذه الحالة ولّدت حالة من ظاهرة الخوف من الإسلام والمسلمين في العالم، وهذا الطرح الذي عبّرت عنه الرابطة في تحركها الأخير، هو بداية وتعبير عن الإسلام الوسطي، الذي كثيراً ما نسمع عنه ولا نرى تجسيداً له على أرض الواقع.
نقلا عن الحياه اللندنيه