بعيداً عن الأضواء وعن عيون قيادة الجماهير العربية في إسرائيل، أبرمت الحكومة الإسرائيلية قبل أيام ومن خلال ما يسمى «سلطة تطوير البدو» اتفاقاً مع سكان عشرات البلدات البدوية في النقب، يقضي بترحيلهم عن قراهم التي رفضت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة الاعتراف بها وحرمتها من أبسط حقوق الحياة، لتركيزهم في بلدتين بدويتين أقامتهما في سبعينيات القرن الماضي.
لم يبالغ الخبير في هندسة المدن البروفيسور يوسف جبارين في اعتبار هذا الاتفاق «سقوطاً للبلدات البدوية»، بل أسوأ مخطط يمكن أن تضعه الحكومة للإجهاز على ما تبقى من أراضٍ عربية في النقب، بعد أن نجحت في ذلك في الجليل والمثلث.
ويقضي المخطط الجديد ببساطة بسيطرة الحكومة على نحو نصف مليون دونم في النقب يُعتبر «موضع نزاع على الملكية» بين الدولة العبرية والسكان البدو. وسيتم تطبيق السيطرة من خلال هدم عشرات القرى «غير المعترف بها» مع آلاف البيوت فيها، ونقل السكان إلى مدينة رهط وبلدة حورة من دون أن تكون الأراضي التي ستقام عليها منازلهم بملكيتهم إنما سيقومون باستئجار القسائم من الدولة، كل ذلك تحت شعار «تثقيف البدو على حياة المدن العصرية».
تملك إسرائيل، في السنة السبعين على إقامتها، ومن خلال «صندوق أراضي إسرائيل» و «دائرة أراضي إسرائيل» أكثر من 93 في المئة من الأراضي في حدودها، في مقابل 4 في المئة بملكية يهودية خاصة وأقل من 3 في المئة فقط للفلسطينيين (قبل مشروع الترحيل الحالي للبدو في النقب).
قبل إقامتها، وضعت الحركة الصهيونية أعينها على الأرض الفلسطينية. في العام 1947 امتلك اليهود في فلسطين التاريخية 7 في المئة من أراضيها (1.8 مليون دونم)، وبعد أقل من عامين وهدم مئات القرى الفلسطينية ومصادرة أراضيها، تضاعفت المساحة 11 مرة، إذ بلغت 20.5 مليون دونم، 80 بالمئة منها وفق وزارة الزراعة الإسرائيلية هي أراضي المهَّجرين الفلسطينيين. ومع مرور الوقت ارتفع هذا العدد إذ استغلت إسرائيل الحكم العسكري الذي فرضته على الفلسطينيين الذين بقوا في أراضيهم، لتصادر المزيد من الأراضي أو تحمل أصحابها على بيعها لها بالإكراه وبثمن بخس.
هاجر اليهود إلى فلسطين مقتنعين بشعار الحركة الصهيونية «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض»، وطوروه لاحقاً من خلال التنفيذ، إلى شعار «أرض أكثر وعرب أقل».
خنقت إسرائيل البلدات العربية ومنعتها من التوسع، وهي تعد الآن لإرغام هذه البلدات على «البناء إلى أعلى»، أي أكبر عدد من الشقق السكنية على أقل مساحة ممكنة، وهكذا تتيح للمستوطنات اليهودية المحيطة بكل البلدات العربية التوسع على راحتها من دون قلق اجتياح عربي لها.
خلال العقود السبعة أقامت إسرائيل أكثر من ألف بلدة يهودية ولم تقم مدينة عربية واحدة، باستثناء البلدات البدوية لترحّل البدو من أراضيهم الواسعة في النقب وتجمعهم في أربع بلدات على مساحة ضيقة.
بعد 70 عاماً على إقامتها ما زالت شهية إسرائيل مفتوحة على مصادرة ما تبقى من أرض عربية. لكن، مع كل المصادرات، ما زال قلق آخر يساور سدنة الدولة العبرية، يتمثل بالهوَس الديمغرافي، حيال فقدان كل من الجليل والمثلث غالبية يهودية بالرغم من كل المخططات التي طبقت في العقود الماضية وأغرقت المنطقتين بمئات البلدات اليهودية.
وعليه، ليس صدفةً أن المتطرف أفيغدور ليبرمان يتبنى مشروع مبادلة منطقة المثلث بالتكتلات الاستيطانية اليهودية في الضفة الغربية المحتلة، ليصيد عصفورين بحجر واحد: يتخلص من نحو نصف مليون عربي، ويضم في المقابل عدداً مماثلاً من المستوطنين اليهود، فتصبح إسرائيل ذات غالبية يهودية متينة (87 في المئة).
بالرغم من مرور سبعين عاماً، ما زالت إسرائيل ترى في العرب داخلها «خطراً حقيقياً» لتمهد بذلك الطريق أمام مشاريع أخرى تطال الأرض والبشر.
ويبقى السؤال حول كيفية مواجهة العرب مختلف المخططات التي تحاك في السر والعلن في ظل حكومة يمينية متطرفة، أحد أبرز أعمدتها ليبرمان، وحيال عجز القيادة العربية في الداخل عن فعل شيء أمام التطرف المتصاعد.
نقلا عن الحياة اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع