حلم جميل كبير راود وزيرة الرياضة والثقافة الإسرائيلية ميري ريغف، بدّده كابتن منتخب الأرجنتين ليونيل ميسي ورفاقه بقرار حاسم بإلغاء قدوم المنتخب إلى إسرائيل لمباراة ودية مع منتخبها.
كان حلمها العلني التقاط صورة شخصية مع النجم العالمي تساعدها في تحسين مكانتها في قائمة «ليكود» الانتخابية، لكن الهمّ الأول، كما قالت بعظمة لسانها، هو أن تلتقط كاميرات العالم صوراً لميسي وهو يقبل «حائط المبكى» في البلدة القديمة في القدس المحتلة، «وهي صورة تساوي كل جهود الديبلوماسية الإسرائيلية في العالم لإقناع الأخير بأن القدس هي عاصمة إسرائيل، حتى في نظر أفضل نجم كرة قدم في العالم».
لم يعنِ إسرائيل القيمة الرياضية للمباراة، ولا احتمال أن تتلقى شباك المنتخب سداسية كما حصل في لقاء سابق. الأهم أن أحد أبرز المنتخبات للفوز بكأس المونديال الوشيك عرّج في طريقه إلى موسكو على القدس وتمنى نجمه ببطاقة صغيرة خطّها بيده ووضعها في شقوق «المبكى» بالفوز بالكأس.
لم تأبه الوزيرة بتحذيرات معلقين من تداعيات تصريحاتها وثرثرتها بشأن قدوم المنتخب الأرجنتيني وتأكيدها أنها «هدية لإسرائيل» في احتفالها بسنتها السبعين وتدشين السفارة الأميركية في القدس. تحدَّت محاوريها الإعلاميين بأن ميسي هو الذي سيتوجه نحوها لمصافحتها وليس العكس. عملت ونجحت في إقناع وزير المال بتخصيص نحو مليون دولار لتأمين إجراء المباراة في القدس وليس في حيفا. ولم يتأخر نتانياهو عن التبجح بأنه تدخل لدى نظيره الأرجنتيني لنقل المباراة للقدس، لكن مع إلغاء المباراة نفى أن يكون فعل ذلك، لتوجَّه الأسهم إلى صدر الوزيرة وحدها.
شكّل الإعلان الأرجنتيني صفعة مدوية على خديّ إسرائيل وضربة موجعة للوزيرة، بحسب 53 في المئة من الإسرائيليين الذين رأوا أن ريغف ألحقت ضرراً بسمعة إسرائيل على الحلبة الدولية. واتفق 63 في المئة من الإسرائيليين على أنه لا يجب إقحام السياسة في الرياضة.
نجحت حركة المقاطعة (بي. دي. إس)، التي تقض مضاجع إسرائيل، والضغوط الفلسطينية من نواب عرب في الكنيست ومن السلطة الفلسطينية في ثني المنتخب الأرجنتيني عن زيارة القدس وقطعت الطريق بالتالي على مساعي الحكومة الإسرائيلية تسويق القدس دولياً عاصمة لها.
عملياً فطنت الأرجنتين متأخرة أن الزيارة التي يقوم بها منتخبها للدولة العبرية هي في نظر سدنة الحكومة مكافأة لا تضاهى بثمن على سياستها اليمينية المتشددة، وتجاهل للحصار الإسرائيلي للقطاع وقتل أبنائه برصاص القناصة، وتشجيع لإسرائيل لتواصل توسيعها الاستيطاني ودعم الأجندة المتطرفة للحكومة.
أما بعد إلغاء الزيارة، فإن تفاعلات القرار الأرجنتيني هي التي تقلق إسرائيل المفترض أن تستضيف العام المقبل المسابقة الغنائية الأوروبية «يورفيجن» وقد خططت أن يكون الحدث سياسياً قبل أن يكون فنياً احتفاءً بـ «القدس الموحدة» عاصمة إسرائيل. تريد من قدوم عشرات آلاف الأوروبيين لمتابعة المسابقة أن يخدم دعايتها ويبيّض صورتها في الحلبة الدولية ويصرف النظر عن ممارسات جيشها.
تخشى إسرائيل اليوم أن تقرر إدارة المسابقة عدم إجرائها في القدس. كما أنها تخشى أن يقود قرار المنتخب الأرجنتيني إلى فرملة هرولة دول في أميركا اللاتينية لنقل سفارتها إلى القدس. بعد اليوم، لن يكون سهلاً على أية دولة مشاركة إسرائيل في أي حدث يقام في القدس وتعمل إسرائيل على تسييسه.
تدرك إسرائيل اليوم أن الوضع بات مختلفاً. صحا العالم من محاولاتها تغليف كل حدث فني أو رياضي أو غيره بعباءة سياسية تخدم أجندتها.
هكذا ارتدت عنجهية ريغف إلى نحرها. تدرك إسرائيل اليوم أن العالم لم يبدّل موقفه بأن القدس بشطريها عاصمة للدولتين وأن شعوب العالم الحر أقوى من قرار الرئيس ترامب اعتبارها عاصمة موحدة لإسرائيل. تدرك، حتى إن لم تعترف بذلك، أن العالم لا يتجاهل انتهاكها حقوق الشعب الفلسطيني لكن عليها أن تدرك أساساً أن لا هدايا دولية مجانية بعد اليوم، طالما عين حركة المقاطعة ساهرة على توثيق هذه الانتهاكات.
نقلا عن الحياه اللندنيه
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع