شكلت تظاهرة عشرات ألوف الفلسطينيين في إسرائيل، ومعهم آلاف اليهود من القوى الليبرالية والديموقراطية، ضد قانون القومية العنصري نقطة انطلاق جيدة لمعركة لا يجب أن تتوقف أو تتلعثم، سواء على الصعيد المحلي أو الدولي.
لا يكفي الإدعاء، وهو صحيح، وكأن القانون الجديد لا يغيّر شيئاً في تعامل الحكومات الإسرائيلية مع الأقلية الفلسطينية التي تشكل 20 في المئة من تعداد سكان إسرائيل. صحيح أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، سواء بزعامة حزب «العمل» أو «ليكود»، انتهجت وما زالت سياسة تمييز واضحة ضد فلسطينيي 1948 الذين يحملون الهوية الإسرائيلية، وضد بلداتهم التي أصبحت أشبه بغيتوات محاصرة ببلدات يهودية من كل الجوانب أقيمت على أراضٍ عربية مصادرة، إلا أن القانون الجديد يمهد الطريق أمام هذه الحكومات لمزيد من التمييز وهذه المرة بلباس قانوني شرعي.
يشكل القانون الجديد أمّأً مرضعة لقوانين يتوقع أن تسنها الكنيست تنال ما تبقى من حقوق للمواطنين العرب. فالبند الأول الذي يؤكد أن «حق تقرير المصير هو للشعب اليهودي فقط» يعني ببساطة السماح بتشريع أي قانون يعطي أولوية لليهود يتجاهل غير اليهود. كذلك البند السابع الذي يعطي أولوية السكن والبناء والاستيطان لليهود، وهذه المرة من دون تدخل المحكمة العليا لفحص دستورية القانون.
يريد القانون الجديد، وهذا باعتراف المبادرين إليه، تكبيل يدي المحكمة العليا من أن تكون ملجأ للمواطنين العرب في إسرائيل أو لفلسطينيي القدس والضفة الغربية المحتلتين. ولا تكتفي وزيرة القضاء المتطرفة أييلت شاكيد بذلك إنما ما زالت تسعى لتشريع قانون رسمي يمنع المحكمة من التدخل في قرارات السلطتين التنفيذية والتشريعية.
وتقف المحكمة العليا هذه الأيام أمام اختبار كبير، إذ يُنتظر أن تبت في التماس «لجنة المتابعة العليا» لإلغاء قانون الأساس، وسط تحذيرات علنية بلغت حد التهديد من وزيرة القضاء بالتدخل.
سبق للمحكمة العليا أن الغت عدداً من القوانين اعتبرتها غير دستورية، لكنها لم تقترب ذات يوم من «قانون أساس» الذي يتمتع بمكانة أعلى من القانون العادي ويعتبر دستورياً.
وينتظر العرب، ومنظمات حقوقية إسرائيلية داعمة، ما ستقرره المحكمة العليا وسط يقين بأن عدم تدخلها سيكون بمثابة بداية عهد جديد في تاريخ المحكمة يخضع لإملاءات اليمين، وينذر في المقابل بحشر المواطنين العرب في زاوية صعبة.
وفي غياب تحرك داعم وكافٍ من أحزاب يهودية محسوبة على الوسط أو يساره، لإلغاء القانون القومية، يتحتم على القيادة العربية في الداخل تكثيف تحركها على الصعيد الدولي، سياسياً وقضائياً. قد يقول قائل إن إسرائيل المتغطرسة لا تقيم حساباً للأسرة الدولية في ظل الضوء الأخضر المتواصل من الإدارة الأميركية لتفعل ما تشاء، لكن ذلك غير دقيق إذا ما تم التوجه إلى المحافل الدولية القضائية.
نذكر رد الفعل الإسرائيلي القلِق من محاولات السلطة الفلسطينية، على رغم أنها متواضعة ولم تستمر، للتوجه إلى هيئات دولية مثل الأمم المتحدة أو التلويح بالمحكمة الدولية في لاهاي، أو حتى اتحاد الكرة العالمي لإقصاء إسرائيل عنه.
وإذا كانت هناك تقييدات على السلطة الفلسطينية أرغمتها على عدم الذهاب بعيداً ضد إسرائيل في المحافل الدولية خشية معاقبتها إسرائيلياً، فإن الإمكانات المتاحة أمام النواب العرب في الكنيست والمنظمات الحقوقية العربية في إسرائيل أكبر بكثير.
بعد أسبوعين يلتقي ممثلو «القائمة العربية المشتركة» في نيويورك بوزيرة الخارجية الأوروبية فيدريكا موغريني في أول اجتماع بهذا المستوى مع قيادة الجماهير العربية. هذه نقطة بداية ممتازة يتوقع أن تعقبها خطوات أخرى منها التوجه لمنظمة التّعاون الاقتصادي والتنمية ( OECD) واتحاد البرلمانيين الدولي. ويجب أن يكون وارداً التوجه إلى محكمة العدل العليا في لاهاي لإلغاء قانون هو الوحيد في العالم الذي يقتصر الدولة ونظام الحكم فيها على مجموعة إثنية واحدة.
ليس أمام القيادة العربية في الداخل ما تخشاه أكثر، ولا بدّ من تفعيل ضغط دولي على إسرائيل لإرغامها على تغيير قانون القومية أو تعديله، وإن كانت المعركة طويلة وليست سهلة وتحتاج إلى نفَس طويل.
نقلا عن الحياه اللندنيه
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع