بقلم - أسعد تلحمي
يعيد طرح النائب العربي في الكنيست الإسرائيلي الدكتور جمال زحالقة على الهيئة العامة للكنيست، الأسبوع الماضي، مشروع قانون لإلغاء المكانة القانونية الفوقية والعنصرية للمؤسسات الإسرائيلية المسماة «المؤسسات القومية اليهودية»، السجال بين الأقلية الفلسطينية داخل إسرائيل وبين الأكثرية اليهودية في شأن هوية الدولة وطابعها وهوية الأقلية الفلسطينية، التي ترفض الدولة النظر إليها أقلية قومية إنما مجموعة طوائف لها الحق في التداول في حقوقها المدنية لا غير.
ومع طرح الموضوع يستعيد زحالقة الدور الذي لعبته هذه المؤسسات، وما زالت، في مأسسة العنصرية، أو نظام الأبرتايد وفق توصيفه، ضد فلسطينيي 1948 منذ إقامة الدولة العبرية وحتى يومنا هذا. حالَ الخلاف بين المتدينين والعلمانيين اليهودعشية إعلان إقامة إسرائيل حول طابع الدولة المُراد، دون تشكيل دستور لها، لكن ذلك لم يمنع الكنيست من تشريع قوانين تعتبر اليوم أهم الأسس الدستورية في إسرائيل على الرغم من أن غالبيتها ليست «قوانين أساس» وفق تعريفها الحرفي.
ويعتبر «قانون العودة» في نظر الإسرائيليين أهم القوانين في تاريخ الدولة العبرية، إذ أتاح لكل من هو يهودي أو من جذور يهودية في أية بقعة على الأرض القدوم إلى إسرائيل والحصول على الجنسية الإسرائيلية. وبفضل هذا القانون هاجر ملايين اليهود إلى إسرائيل. ومع مرور 70 عاماً ما زال نصف اليهود في إسرائيل (3.2 مليون يهودي) هم من المهاجرين، فيما معظم النصف الباقي هم من أبناء أو أحفاد مهاجرين.
ويشكل «قانون الجنسية»استمراراً لقانون العودة باشتراطه منحها لليهود أساساً، ولمن مكث في إسرائيل في شكل متواصل بين السنوات 1948- 1952 ويعرف اللغة العبرية، وهو بند موجه للفلسطينيين الذين هُجّروا إبان الحرب أو هربوا إلى حين تنتهي الحرب، وأرادوا لاحقاً العودة إلى أرضهم ليصطدموا بشرط المكوث المتواصل.
أما القانون الأخطر الذي نال من الفلسطينيين ما لم تنله سائر القوانين فهو القانون المعروف بـ «قانون أساس أراضي إسرائيل»، الذي يحدد بأن أراضي «الصندوق القومي لإسرائيل»هي لليهود فقط.
كالمتوقع لم يجد النائب زحالقة من يدعم مشروعه باستثناء النواب العرب، أما وزيرة القضاء أييلت شاكيد فاعتبرت أن تقديم مثل هذا الاقتراح «يثير اشمئزازها»، وتباهت بـ «الدور التاريخي للمؤسسات القومية اليهودية»، وشددت في ردها بأن «هذه الدولة ستبقى يهودية لألف عام قادم».
في الذكرى السنوية السبعين لقيامها، وفي الذكرى الـ51 لاحتلال الأراضي الفلسطينية (الضفة الغربية والقدس) تشعر إسرائيل بأن يديها طليقتان في ترسيخ تعاملها العنصري مع مواطنيها العرب من خلال هذه المؤسسات التي تعتبر الذراع التنفيذية لسياسات التمييز العنصري، ولا تزال، وتعمل بحرية حيثما لا تستطيع ذلك الحكومة، ما يتيح للأخيرة تعميق احتلالها للضفة الغربية والقدس والتفكير الجدي في ضم الضفة الغربية إلى أراضيها، من خلال قناعتها بأن ليس هناك من يردعها أو يزجرها على ما تقوم به.
حتى قبل سنوات قليلة، شكلت الذكرى السنوية لاحتلال إسرائيل الأراضي الفلسطينية والجولان السوري مناسبة لقوى اليسار الإسرائيلي لتنظيم مظاهرات تدعو الحكومة إلى الانسحاب من الضفة الغربية والقدس وإلى تطبيق حل الدولتين. لكن أمس مرت الذكرى الواحدة الخمسون مر الكرام على الشارع الإسرائيلي.
هذا هو واقع الشارع الإسرائيلي اليوم، واقع يقول بأن لا حدود للقوة، وأنها، القوة، في الوقت الراهن على الأقل هي الأداة الأنجع في تطبيق سياسات عنصرية بالاعتماد أساساً على الذراع العسكرية الطويلة لإسرائيل.
نقلا عن الحياة اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع