لم يكن إقحام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أنفه في المونديال بتوجهه إلى الشعب الإيراني بالوقوف في وجه «الخومينية» مثلما وقف لاعبو المنتخب الإيراني أمام النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو، جديداً على ظاهرة إقحام السياسة بالرياضة واستغلال أهم المنصات العالمية في أكبر مسابقة دولية بكرة القدم يتابعها مليارات البشر، للترويج لأجندات ومصالح سياسية.
هناك دول وحكام يستغلون هذه الفرصة لتلميع صورهم، وعليه نشاهد تنافس الدول على استضافة المونديال مع معرفتها بوجوب صرف بليونات الدولارات، وتوفير أقصى الحماية الأمنية لمئات آلاف الوافدين، لكنها تفعل ذلك ليس من أجل الربح المادي إنما أساساً من أجل إظهار صورة إيجابية عنها أمام العالم كله المحتشد حول الشاشة الصغيرة.
شكّل المونديال -وما زال- مناسبة لشعوب الدول المشاركة لإبراز هويتها القومية واعتزازها بثقافاتها. وفي عصر العولمة الذي تحول فيه الكون إلى قرية صغيرة أصبح النجاح في المونديال احتفالاً قومياً ووطنياً، احتفالاً بعظَمة المنتخب والدولة التي يمثلها.
يؤثر المونديال في حياة شعوب كثيرة وفي سياسات الدول، ولعل بلجيكا، الدولة ثنائية القومية، تمثل النموذج الأبرز، فمنتخب الدولة ذات الشعبين والثقافتين المختلفتين اللذين لا تربط بينهما سوى مصالح تجارية مشتركة، بات الدبق الذي من شأنه تخفيف حدة التوتر، إذ يضم في صفوفه ممثلين عن الشعبين طرحوا الخلافات السياسية جانباً متعاونين معاً من أجل التحليق بالمنتخب. ومن شأن نجاح المنتخب أن يخفف من حدة الصراع عشية الانتخابات العامة الخريف المقبل.
في حينه، تسببت مباراة كرة قدم بحرب بين هندوراس وسلفادور، لكن من جهة أخرى نجح نجم ساحل العاج ديديه دروغبا في مونديال 2006، وبعد أن أبلى منتخبه بلاء حسناً في وقف الحرب الأهلية في بلاده أثناء المونديال ليشارك لاحقاً مع زملائه في المنتخب في الحملة الناجحة التي أوقفت الحرب تماماً.
تؤكد الأبحاث المختلفة أن نجاح المنتخبات يحقق السعادة لسكان بلادها، والعكس صحيح تماماً، هذا فضلاً عن تحقيق نجاحات متتالية على أصعدة مختلفة: اقتصادية وسياحية واجتماعية وثقافية، وفوقها جميعاً الاعتزاز القومي.
أصبح المونديال، أكثر من ذي قبل، وبفعل العولمة، منصة للمنتخبات المشاركة لتعلن عن هويتها وثقافتها ورموزها. ويتحول أبطال المونديال إلى أبطال قوميين يحققون الفخر لثقافة بلادهم. على مدار أسبوعين أو ثلاثة وحتى أربعة، تلعب المنتخبات الناجحة لتشريف ألوان بلادها بفخر وعزيمة وتعاون.
أما العرب، فخرجوا من مولد المونديال بلا حمص، حتى «الطَّعمية» المصرية كانت مرّة الطعم، على قدر التوقعات الكبيرة من منتخب الفراعنة والنجم محمد صلاح. أيضاً في كرة القدم حصد العرب الفشل فغادروا جميعهم المونديال منذ بداياته.
أخفقت المنتخبات العربية، باستثناء المغرب ربما، في بث روح القتال والإصرار على النصر. خيبت آمال مئات ملايين العرب الذين يتوقون لطعم فوز يسرّ القلوب في هذا العصر الدموي المقيت، بل شكلت مباريات بعضهم فضيحة كروية على مستوى عالمي وأمام مئات الملايين.
في المقابل، هناك دول أضعف بكثير، من حيث الثروة المحلية والبشرية الكميّة، تألقت منتخباتها بفضل الاستثمار والرعاية النوعية.
استفادت منتخبات كثيرة من ارتدادات العولمة، واستغلت المنبر لتعرّف على دولها بأبهى الصور. أما العرب فتلهَّوْا في تبادل القذع والشتم. هذه الدولة تمنت الفشل لتلك الدولة «الشقيقة» وأخرى تمنت لشقيقتها الهزيمة المجلجلة، وبدل هز شباك الفرق الخصم اهتزت شبكات التواصل الاجتماعي بأقذع الشتائم العربية.
ولعل ما يدور الآن في شوارع العواصم العربية من أعمال شغب وفوضى بين مؤيدي منتخبات أجنبية، لهو الدليل على بؤس الحال الذي بلغته أمّة الـ400 مليون.
صحيح أن النجاح في المونديال قد يكون موقتاً وقد يصرف الأنظار عن المشاكل اليومية التي تعيشها الشعوب، لكنه منع ذلك يبقى ضرورياً ولو من أجل تذوق طعم الفوز وحلاوة الاعتزاز القومي، ولو إلى حين، ويعوض عن هزائم في ميادين أخرى، لكن حتى ذلك لا يتحقق. ولا تبدو هناك بشائر خير طالما بقي التعاطي مع الرياضة بعيداً من المهنية وخاضعاً لأهواء هواة تسلموا المسؤوليات في اتحادات الكرة.
نقلا عن الحياة اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع