توقيت القاهرة المحلي 05:32:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

السلام المستحيل في ظل غموض «صفقة القرن»

  مصر اليوم -

السلام المستحيل في ظل غموض «صفقة القرن»

بقلم - عزمي عاشور

أخذت تجربة الاستقلال وتقرير مصير كثير من شعوب العالم الثالث أنماطاً عدة من حيث الشكل والأسباب التي أُجبرت فيها الدول المحتلة على ترك البلدان التي تقع تحت سيطرتها. أولها نمط الاستقلال الذي ارتبط بسوء سياسات الدولة المحتلة، كعمليات الفصل العنصري التى قامت بها الأقلية البيضاء تجاه الأغلبية السوداء أصحاب الأرض الأصليين في جنوب أفريقيا في نهاية القرن الماضي، والتي انتهت بالقضاء على هذه السياسات التمييزية ضد السود لتعطي شكلاً غير مألوف في استخدام سلبيات سياسات المحتل كسلاح ضده. وتوازى نجاح هذا الشكل للاستقلال مع تطور ثقافة القانون الدولي الإنساني ونمو وعي المجتمعات تجاه هذه الانتهاكات التى تمارس ضد الإنسانية. وهناك شكل آخر يقترب من ذلك، بما عرف بالمقاومة السلمية للاحتلال، مثلما حدث في النصف الأول من القرن العشرين من انتفاضة المجتمع الهندي السلمية تجاه المحتل البريطاني على يد نخبة آمنت به باعتباره أقوى تأثيراً، ما أجبر المحتل على مغادرة شبه القارة الهندية برغم كثير من المغريات الاقتصادية. وثالث هذه الأنماط يتمثل في المقاومة العنيفة في الداخل لدولة المحتل، وهو الشكل الأشهر في حالات الاحتلال المختلفة التي شهدتها الكثير من الدول المستعمرة والتي قدمت تضحيات كبيرة مادية وبشرية، كان من نتيجتها خروج المحتل من هذه البلدان. حدث ذلك في فيتنام وكوريا والجزائر، على سبيل المثال. أما النمط الرابع فيتمثل في أن التغيرات الدولية والإقليمية قد تدفع دولة الاحتلال إلى الرضوخ للضغوط. وتمثلت هذه الحالة في عدوان بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على مصر في 1956 حتى كادت مصر تخضع مجدداً للاحتلال لولا تغير ميزان القوى وغروب شمس الإمبراطوريتين الكبيرتين (فرنسا وبريطانيا) عقب الحرب العالمية الثانية وبزوغ شمس الدولة الأميركية بثقلها السياسي والعسكري الذي انعكس على التفاعلات الدولية، ومن بينها قضية العدوان الثلاثي التي انتهت في صالح مصر. يبقى النمط الخامس والمتمثل في النزاع القائم بين دولتين، ولا ينتهى الصراع بينهما إلا بحدوث حروب تعزز فرص طرف على حساب آخر أو تقوي الطرف المحتل جزء من أرضه في حال كسبه هذه الحرب، مثلما حدث في حرب 1973، التي قوّت موقف مصر؛ في وقت كان حديث التفاوض على الانسحاب من الأرض قبل الحرب بمثابة شكل من العبث، في نظر إسرائيل. وهو الأمر الذي أدركته النخبة المصرية في ذلك الوقت ومن ثم أعطت للحرب الأولوية لاستعادة الأرض. والعوامل السابقة قد تجتمع بنسب مختلفة لتكون سبباً في إجبار المحتل على ترك ما يحتله من أراض. حدث ذلك مع مختلف أشكال الاستعمار التي شهدها الكثير من دول العالم الثالث في القرن العشرين، بما فيها إسرائيل التي انسحبت مرتين من الأرض المصرية، أولاً بفضل ضغوط الولايات المتحدة الأميركية، في 1956 وثانياً بفضل حرب 1973 التي أجبرت إسرائيل وأميركا على البحث عن مخرج للأزمة من طريق رعايتها المفاوضات بين القاهرة وتل أبيب.

قد تكون هناك عوامل أخرى مساعدة مثل شخصية القيادة ممثلة في الرئيس السادات ووزير خارجية أميركا في ذلك الوقت هنري كيسنجر وقراءتهما البصيرة للواقع، إلا أنه يبقى أن الذي حرّك ذلك هو مفاجأة الحرب والتفوق الذي أحدثه التنسيق بين عدد من الجيوش العربية، رغم الإمكانات المحدودة. وهو أمر ترك تداعيات استراتيجية لدى إسرائيل والولايات المتحدة التي وجدت في طريق المفاوضات حلاً مناسباً لإنهاء النزاع بين الطرفين؛ لأن البديل هو الحرب التي بات من الصعب تحقيق نصر حاسم عبرها. تكرر هذا السيناريو مع توقيع اتفاقية أوسلو 1993 بين الفلسطينيين وإسرائيل والتي جاءت نتيجة لمجموعة من العوامل ممثلة في انتهاء الحرب البادرة وإعادة بناء النظام الدولي وحرب الخليج الثانية التي أعادت تشكيل التحالف بين الدول العربية والولايات المتحدة عقب تحرير الكويت. وتوازى ذلك مع قوة الداخل الفلسطيني وانتفاضته الأولى التى بدأت تعيد لفت الرأي العام العالمي إلى مأساة الفلسطينيين. هذا بالإضافة إلى تعاطي القيادة لدى الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي أو حتى الدول الراعية هذه المفاوضات مع الواقع وقدرتها على قراءة متغيراته. وهذا الاتفاق أتى بالنتائج التي ارتبطت به على أرض الواقع، لجهة عودة القيادة الفلسطينية إلى أرض فلسطين ووضع النواة الأولى لبناء الدولة الفلسطينية. وهو الاتفاق الذي واجه تطبيقه، على مدار العقود الثلاثة الماضية، عراقيل كثيرة، سواء من الداخل الفلسطيني أو من الجانب الإسرائيلي الذي كان لا يضيع أي فرصة ليتخلص من التزاماته تجاه هذا الاتفاق.

وبعد 25 سنة من توقيع هذا الاتفاق، يروج الأميركيون ما يطلَق عليه «صفقة القرن»، لوضع نهاية للصراع بين الفلسطينيين وإسرائيل، والتي تحمل من الغموض أكثر ما تحمل من الوضوح. فهل بعد هذه السنوات تهيّأت الظروف والعوامل التي تساعد على إنجاح هذه الصفقة أو غيرها من المحاولات لوضع نهاية لهذا الصراع؟

إذا أخذنا العوامل الخمسة السابقة وطبقناها على حالة النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، نجد أن الحل بات مستحيلاً في ظل غياب المحفزات التي لعبت في السابق دوراً جوهرياً في القضاء على الاحتلال في مناطق مختلفة من العالم.

نقلا عن جريدة الحياة اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السلام المستحيل في ظل غموض «صفقة القرن» السلام المستحيل في ظل غموض «صفقة القرن»



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon