توقيت القاهرة المحلي 05:32:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الديموقراطية والتنمية ما بين مصر وتونس

  مصر اليوم -

الديموقراطية والتنمية ما بين مصر وتونس

بقلم - عزمي عاشور

 أيهما أسبق في الظهور: الليبرالية أم الديموقراطية؟ الليبرالية ارتبطت كقيم وأفكار بالحداثة وعصر التنوير في القرن السادس عشر الميلادي، وهي هنا تسبق الديموقراطية بقرون ثلاثة؛ إذ إنها مورست تدريجاً في القرن التاسع عشر. فضلاً على أن الديموقراطية تنتمي إلى ما يشبه الإجراءات والقواعد التى يتم اتباعها.

أما الليبرالية فتمثل الثقافة والسلوك وطريقة التفكير، فهي التي أحدثت النقلة الكبيرة في الثورات العلمية بدءاً من فلاسفة التنوير بتغير الكثير من المعتقدات التي كانت تسيطر على العقل من مركزية الأرض للكون وغيرها بناء على المعتقد الديني؛ ما قاد إلى سلطة وسيادة العقل وانعزاله عن هيمنة هذا المعتقد. وعندما تطورت الديموقراطية في ما يشبه اللوائح المنظمة الحكمَ، فهي كانت إحدى الوسائل التي تُهذّب وتُرشّد من هيمنة التسلط السياسي، فلم تكن مرادفة لليبرالية بقدر ما أنها أداة تبرز أحد ملامح هذه القيمة. ففي الوقت الذي بدأت تنتشر أفكار التنوير والنهضة والتحديث في العالم، كان التسلط السياسي، هو المهيمن على العالم؛ من منطلق أن الحكم والسياسة مرتبطان بالقوة. ولكن مع التأثير الكبير الذي أحدثته أفكار النهضة والتنوير في المجتمعات كان لا بد أن تطول أدوات الحكم والتي بدورها تطورت عقب الثورتين الأميركية ودستورها والفرنسية بمبادئها؛ في نهايات القرن الثامن عشر. وهذه الثورات بالقفزة الكبيرة في نقد التسلط السياسي كانت نتيجة طبيعية لفلاسفة العقد الاجتماعي الذين درسوا السلطة السياسية في شكل مجرد ووجدوا أن تحييدها في شكل القوانين واللوائح والمؤسسات هو أفضل طريق لتحقيق العدالة ما بين البشر من الناحية السياسية. وكان هذا هو التطور الذي حاولت المجتمعات الغربية غرسه على مدار القرنين التاسع عشر والعشرين. وإذا كانت الديموقراطية كإحدى وسائل الحكم بتطبيقها تحقق أفضل ما هو متاح من العدالة السياسية، فإن ما حدث بعد ذلك في النصف الثاني من القرن العشرين وبدايات القرن الواحد والعشرين برهنَ على وجود عامل لا يقل أهمية عن الديموقراطية؛ وهو أن التنمية أيضاً هي أفضل ما هو متاح الآن لتحقيق العدالة بين البشر. وحبذا لو اجتمعتا، فإن العدالة قد تصل إلى الشكل المقبول والمعقول. والدول حديثة العهد بالديموقراطية والتنمية بعد سنوات من خضوعها للاستعمار الأوروبي، كانت هي خير من مرّ بتجارب التنمية سواء في ظل حكم ديموقراطي أو في ظل سلطة غير ديموقراطية. ولكن، هنالك إشكالية لأيهما الأولوية الديموقراطية أم التنمية؟ فعلى خلفية ما حدث عقب استقلال الكثير من الدول في العالم الثالث في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية عندما أعطى الحكام الوطنيون أولوية للتنمية في بدايات حكمهم استبدوا وفشلوا وحدثت انقلابات عسكرية. وهو الأمر الذي شوّه مدخل التنمية رغم أهميته وأولويته، ولكن هناك عوامل أخرى أدت إلى فشل هذا المدخل، أبرزها أن سياق الخمسينات والستينات من القرن الماضي لم يسمح بنجاح هذه النماذج الوطنية للتنمية في ظل الحرب الباردة.

ومع العقدين الأخيرين من القرن الماضي وبدايات الحالي، استطاعت دول شرق آسيا والصين أن تقدم تجارب مختلفة أثبتت فيها أن السياسة والحكم من الممكن أن يكون مدخلهما أيضاً التنمية والنهضة الاقتصادية وليس الديموقراطية فقط. فالصين الآن رغم أنه يحكمها حزب شيوعي، تتسيّد الاقتصاد العالمي مع الولايات المتحدة الأميركية، بل مرشحة لتكون القوة الأولى في العالم مع تراجع قوة الأخيرة اقتصادياً. وتبرهن هذه التطورات على أن الحقيقة لها أوجه أخرى غير التي اعتدنا أن نرددها.

فماذا عن عالمنا العربي؟ مع بداية ثورات «الربيع العربي»، عُقدت المقارنة بين تونس ومصر لجهة أن الحراك فيهما كان سلمياً؛ على عكس ما حدث في دول عربية أخرى، فضلاً عن أنهما شهدتا عملية انتخابات ديموقراطية، سواء نيابية أو رئاسية. ويرى السياسيون والمتمسكون بنظرية الديموقراطية أن تونس تجربتها حملت الاستمرارية على عكس مصر التى حدث فيها تراجع من وجهة نظرهم. والآن بعد السنوات السبع مع تداول السلطة في تونس، هناك ما يشبه الأزمة الاقتصادية، فالاحتياطي النقدي لا يغطي غير 80 يوماً فقط على عكس مصر التي كانت على حافة الإفلاس في عام 2013 واستطاعت أن تخرج جزئياً من هذه الأزمات بقرارات جريئة، منها تحرير سعر الصرف وتحفيز التشغيل داخل الاقتصاد بالمشروعات القومية الكبيرة، والتخلي عن الدعم الذي يستهلك جزءاً كبيراً من الموازنة. هذا عكس ما حدث في تونس التى انتشرت فيها التظاهرات بمجرد رفع أسعار بعض السلع. وساعد على النجاح في مصر وجود مظلة اجتماعية تبرز أهميتها بأنها مقننة سواء في حصص التموين التي تقدمها الدولة لأصحاب الدخول المنخفضة أو المنعدمة أو في الرعاية الاجتماعية للأسر الفقيرة ولكبار السن، وأخيراً إدخال العمالة الموسمية تحت مظلة التأمين. هذه سياسات ترتبط بمدخل التنمية، والنتيجة أن الاحتياط النقدي قفز إلى ما يقرب من 45 بليون دولار بعد أن كان انخفض إلى 13 بليون دولار. والسؤال هنا: أيهما له الأولوية: الديموقراطية على الطريقة التونسية أم الحكم بالتنمية على الطريقة المصرية؟ مع العلم أن ما يميز الدولة المصرية هو وجود المؤسسات وثقلها، وما يميز تونس هو أن الإسلاميين لم يخرجوا من المعادلة وأن الاضطرابات والتظاهرات غير محظورة.

المصدر : جريدة الحياة اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الديموقراطية والتنمية ما بين مصر وتونس الديموقراطية والتنمية ما بين مصر وتونس



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon