توقيت القاهرة المحلي 05:21:31 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الغالبية الصامتة والسياسة في مصر

  مصر اليوم -

الغالبية الصامتة والسياسة في مصر

بقلم - عزمي عاشور

يشير تاريخ السياسة في مصر إلى أنها علاقة جدلية بين الدولة القوية، أياً كان شكلها، والمجتمع، ممثلاً بأغلبيته الصامتة وليس قواه السياسية، بدءاً من ثورات الفلاحين أثناء حكم المماليك ومروراً بتنصيب محمد علي باشا حاكماً من قبل نخبته المجتمعية في بدايات القرن التاسع عشر. وتبقى الثورة العرابية (1881) نقلة نوعية في حراك هذه الطبقة من الشعب إذ خرجت دعماً لابنٍ من طينتها، وهو يواجه الحاكم، الخديوي توفيق، ثم الإنكليز القادمين بجيوشهم لاحتلال البلاد. وقيمة هذه الثورة ليست في الموقف الذي اتخذته تجاه هؤلاء، وإنما في التأثير الذي تركته في أوساط طوائف المجتمع المصري في ذلك الوقت، سواء كانوا تجاراً أو مثقفين أو إقطاعيين أو فلاحين.

وإذا كان الإنكليز انتصروا على أرض الواقع على الثورة العرابية، إلا أن النتيجة بعيدة المدى تمثلت في أنها جدّدت فكرة الوعي بالوطن مستعيدة مقاومة الفرنسيين في فترة احتلالهم لمصر (1798-1801) ومواجهتهم الإنكليز في موقعة رشيد في 1807 وردهم إلى عرض البحر. فالوعي بأهمية الوطن نبَت بالأساس داخل هذه الطبقات وأثمر نشأة الصحافة والتعليم المدني، ومن ثم نشأة جيل متعلم تعليماً حديثاً بدَت قمة تأثيره في بعث النضال الوطني مع ثورة 1919 والتي كان بطلها أيضاً، إضافة إلى هؤلاء المتعلمين، هذه الأغلبية الصامتة التي هبّت في مختلف أنحاء مصر ضد الاحتلال.

وكان لذلك تأثير إيجابي على تطور المجتمع بصدور دستور 1923 ونشأة الحياة الحزبية التي برز فيها حزب الوفد الذي تجلت قوته الأساسية في تعبيره عن آمال هذه الطبقة، فكان حزب الفقراء قبل الأغنياء وملاذاً للوطنية التي تجسّدت بالأساس في نضال هؤلاء البسطاء عبر تاريخها. وإذا كانت هناك تعددية سياسية وانتخابات في هذه الفترة، فالذي أعطاها قوة الدفع ليس التعددية في حد ذاتها وإنما هذا الزخم الذي تركه حزب الوفد بدعمه هذه الطبقة التي كان يمثلها سعد زغلول المتصل في النشأة والتكوين الريفي بأحمد عرابي. فالاثنان أتيا من قلب هذه الأغلبية الصامتة التي كانت مغلوبة على أمرها، وتبوءا المكانة الاجتماعية بالالتحاق بمؤسسات الدولة، سواء على طريقة عرابي الذي التحق بمؤسسة الجيش وتدرّج في الترقي داخله، أو سعد زغلول الذي نقله التعليم الحديث من قلب الريف ليصبح رمزاً للوطنية في أنصع ملامحها.

وإذا كان المصريون حكموا أنفسهم عقب ثورة 1952، بصرف النظر عن سلبيات الحكم، فإن السياسة في هذه الفترة تمحورت حول هذه الكتلة أيضاً وتحركها وراء الزعيم الوطني، ممثلاً بجمال عبدالناصر ثم أنور السادات الذي جاء بالتعددية الحزبية، من دون القدرة على الخروج من عباءة الحزب الحاكم الذي استخدم الدولة بمؤسساتها لتكون صورة له في الحكم، فلم يكن هناك تكافؤ فرص أمام الأحزاب الأخرى لتنافسه.

ولكن، لماذا لم تتبلور في مصر، على رغم هذا التاريخ، فكرة تداول السلطة؟ الإجابة يمكن تلمسها من الفترة التي أعقبت ثورة 25 كانون الثاني (يناير)2011، فعلى مدار السنوات السبع الماضية، بات في مصر ما يفوق المئة حزب من دون أن يكون هناك لأي منها تمثيل حقيقي داخل المجتمع. وسبب ذلك أن رمانة الميزان في السياسة في بر مصر على مدار المئتي سنة الماضية كانت تكمن في هذه الكتلة الصامتة، فمن يستطيع أن يكسبها يكون هو المنتصر، وكان أكثر من استخدمها الدولة بمؤسساتها في فترات كثيرة، إلا إن خروجها تحت شعارات وطنية كان هو الأبرز سواء في القرن التاسع عشر والقرن العشرين وحتى عندما حدث حراك 25 كانون الثاني 2011 ثم 30 حزيران (يونيو) 2013.

وإذا كان لثورة كانون الثاني شبابٌ قادها وحركات اجتماعية تسيّدت المشهد، فذلك وحده لم يكن كافياً من دون خروج الكتلة الصامتة إلى الميادين ومطالبتها بعزل حسني مبارك، ثم مطالبتها بعزل محمد مرسي. وهذا الانكشاف للدور القوي الذي تلعبه الكتلة الصامتة يظهر في الوقت الحالي مع الانتخابات الرئاسية المصرية، فالسيسي الذي يُرشح نفسه لفترة ثانية، تقف معه هذه الأغلبية الصامتة في مقابل مرشح آخر سيحصد أصواتاً مِن داخلها أيضاً. وذلك يفسر ما حدث على مدار الشهرين الماضين لهؤلاء الذين ظهر مَن ترشح مِنهم ومَن أحجمَ ومَن أراد أن يكون في المشهد حتى لو بالمقاطعة، في صورة باهتة. قد يبدو ذلك، سياسياً، أمراً غير صحي، ولكن عند قراءة التاريخ المصري، بالمحطات الخطرة التي مرت به، نجد أن خيارات هذه الكتلة كانت صائبة، خصوصاً في ظل وجود قوى سياسية ودينية لا تهتم بقيمة الاستقرار.

 

 

 

نقلا عن الحياه اللندنيه

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الغالبية الصامتة والسياسة في مصر الغالبية الصامتة والسياسة في مصر



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon